التطرف والاعتدال ، بين أصحاب المواقف السياسية ، وأصحاب العقائد الدينية !

 *) حكاية التطرّف والاعتدال ، تظهِر تهمة التطرّف ، وكأنها كرة تتقاذفها الأطراف المتصارعة فيما بينها ! وتظهر صفة الاعتدال ، وكأنها فضيلة خاصّة بكل طرف، يستأثر بها لنفسه ، ويَحرم منها خصومه ، في كل ساحة من ساحات الصراع السياسي والاجتماعي والعقَدي والفكري والثقافي..!

 *) الحكومات تمارس أقسى أشكال العسف والعنف ، في حرصها الدائم على الاستئثار بكراسي الحكم ..! وتتّهم كل مَن ينافسها على الكرسي ، أو حتى ينتقد تسلطها واستبدادها .. بالتطرّف !

 *) والمعارضات تطالِب بحقّها ، في المشاركة بقرارات بلادها ، وتتّهم الحكومات بالتطرّف ، في تشبّثها بالسلطة !

 *) وأصحاب المبادئ القومية واليسارية ، يحرصون على الاحتفاظ بمبادئهم وأفكارهم ، كما هي ، كما وضعوها لأنفسهم ، وكما التزموا بها أوّل مرّة ! ويرون أنفسهم معتدلين ، حتى لو تشدّدوا في التمسك ، بمبادئهم وأقكارهم ! إذ لا يرون صلابتهم ـ أو تصلبهم ـ في الدفاع عن هذه المبادئ والأفكار تطرّفاً ! ويتّهمون مَن يخالفهم بالتطرّف ، ولا سيّما الإسلاميين ، الذين يؤمنون بمبادئ الإسلام ، وضرورة أخذِه دورَه في ساحة العمل السياسي والاجتماعي ! 

 *) والإسلاميون الذين يتمسّكون بمبادئ الإسلام ، وشعائره وأحكامه وأخلاقه ، يرون أنفسهم معتدلين ! لأن هذا التمسك مطلوب بحدّ ذاته ، والتفريط بشيء ممّا أمَر الدين بالتزامه ، يعَـدّ معصية ، وقد يُخرج من الملّة ، إذا كان تفريطاً بشيء من أساسيات الدين ! فالتمسك الواجب هنا ، هو اعتدال ! وإن رآه الآخرون تطرفاً !

 *) وفي مجال العقائد الدينية ، يرى الشيعة الاثناعشرية ، على سبيل المثال ، أن تمسّكهم بعقائدهم ، التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم ، وثـقِفوها من كتب علمائهم ، ومن فتاوى مرجعياتهم .. يرون التمسّـك بها ، عين الاعتدال ! وما هو وارد فيها ، من عقائد خاصّة ، مخالفة لأصول أساسية من أصول الدين ، يرونه جزءاً أساسياً ، من هذا الاعتدال ، يعَـدّ التفريط به خروجاً عن الملّة ! ومِن ذلك ( اتّهام القرآن الكريم بالنقص ، ولَعنُ الصحابة الكرام ، حتى المبشّرين بالجنة منهم ، واتّهامهم بالكفر والردة ! واتّهام بعض أمّهات المؤمنين ، اللائي نَصّ القرآن على طهارتهن ، بتهم تنقض آيات القرآن ! وإضفاءُ بعض صفات الألوهية ، على الأئمّة من آل البيت ..!).

 *) أمّا السنّة ، فيرون في تمسّكهم بالقرآن ، واعتقادِهم بتمامه ، وحفظهِ مِن قِبل الله تعالى، وفي إجلال صحابة النبيّ ، وطهارة نسائه ، وفي عدم العصمة لأحد من البشر غير الأنبياء .. يرون في هذا كله عين الاعتدال ! والتفريطُ بشيء منه يُخرج من الملّة، أو يَنقـل صاحبه من دائرة الإيمان ، إلى دائرة الكفر، أو الزندقة ،أو الضلال !

 *) الأفكار والمبادئ السياسية ، المنتَجَة بشرياً ، تظلّ بشكل عامّ ، قابلة للتعديل والتطوير، حسب الظروف والأحوال والمصالح ، واختلاف العقول والأفهام !

 *) المبادئ الدينية ذاتها ، غير قابلة للتعديل ، وإنّما الاستنباط البشري منها ، بما يناسب الظروف والأحوال ، قابل للتعديل والتطوير.

 *) التقريب بين المذاهب السياسية البشرية ، القابلة للتعديل والتطوير، سهل !

 *) التقريب بين العقائد الدينية ( والمذاهب التي صارت عقائد) صعب جداً ، إن لم يكن مستحيلاً ! إلاّ أن يتخلى أصحابها عنها !

 *) لذا :

 - أمر عادي ومألوف ، أن يتعامل أصحاب المبادئ السياسية ، تعاملاً سياسياً ، على أساس المصالح والقوى ، والمنافع والمضار!

 - السعي إلى تقريب المذاهب الدينية ، لتشكيل (أطر دينية) مشتركة بين المذاهب المتناقضة ( كالمساعي القائمة للتقريب ، عقدياً ، بين السنة والشيعة الجعفرية) هدر للأوقات والطاقات ، بلا طائل . والمساعي المجدية في هذه الحال ، هي تلك التي تقوم على مراعاة (المصالح السياسية) ، للجماعات الدينية والمذهبية ، سواء أكانت على مستوى دول ، أم على مستوى أحزاب .. كعلاقات حسن الجوار وتبادل المصالح، مثلاً ، بين دولة إيران الشيعية ، والدول العربية المجاورة لها !

 - ورحم الله الشاعر، عمرو بن مَعدِ يكَرِب الزبَيدي ، القائل:

 إذا لم تستطعْ شيئاً فدعْه وجاوِزه إلى ما تَستطيع

وسوم: العدد 759