برزخ، رسالة إلى أئمة النفاق

حدد الخامس من شهر نوفمبر يوما للطفل العالمي، ليكون بمثابة تذكير باحترام حق الأطفال في الحياة وفي التعليم والحماية من العنف الجسدي والنفسي ... وعلى الرغم من ذلك نجد أن  الطفل السوري قد أصبح اليوم وقودا للحرب الدائرة من قتل واعتقال وتهجير وحرمان من التعليم وتعرض للعنف الجسدي والنفسي .

وفي 17 ديسمبر عام 1999 عدت الجمعية العامة للأمم المتحدة 25 نوفمبر، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة (القرار134/54)...وبرغم ذلك يبرز لنا الفيلم الوثائقي (سوريا الصرخة المكتومة)الذي أعدته الصحفية آنيك كوجان من صحيفة لوموند الفرنسية ، ناجيات من السجون  السورية تعرضن للاغتصاب ومنهن من ماتت أو انتحرت أو قتلت على يد أبيها أو أحد من أقاربها درءً للعار. وقد تضمن الفيلم شهادات لسيدات سوريات يروين كيف استخدم نظام الأسد الاغتصاب كسلاح حرب ، لقمع وتحطيم المعارضة السورية . تقول إحدى النساء الست اللواتي ظهرن في الفيلم والتي كانت تخدم في قوات النظام تقول وظهرها للكاميرا( لقد استخدم النظام الاغتصاب وخطط له لتحطيم الرجل السوري . وأشارت إلى أنه عندما يشتبه بانضمام شخص للمعارضة ، تعتقل زوجته وبناته ووالدته ويتعرضن للاغتصاب ، وبعد تصوير عمليات الاغتصاب هذه ، يرسل الشريط إلى الرجل لتحطيمه معنويا).

وخلال مؤتمر عقده الصحفيين في ناميبيا ونظمته اليونسكو في 3 ايار عام 1991، صدر إعلان ينص على شروط لضمان امن الصحفيين اثناء تادية مهمتهم وكفالة التحقيق في الجرائم ضد حرية الصحافة....مع العلم أن المركز السوري للحريات الصحفية وثق مقتل أكثر من 400 صحفي في سوريا  منذ بداية الثورة السورية وحتى نهاية عام 2017

والجمعية العامة للأم المتحدة اعتمدت في العام 1948 يوم 10 ديسمبر من كل عام يوما يحتفل فيه بحقوق الانسان ، وهو بمثابة وثيقة تاريخية تضمن لكل إنسان بأن يتمتع بحقوقه بالعدالة والحرية والمساواة . وتنص المادة الخامسة منه ،وكذلك المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، كلتاهما تنصان على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو للمعاملة اللاإنسانية .وهذه الوثيقة هي الأكثر ترجمة في العالم وهي متاحة بأكثر من 500 لغة ....

و في الوقت ذاته نجد منظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان قد أعلنت أنها على ثقة أن صور التعذيب التي هربها من سوريا أحد المنشقين في عام 2013 ، والتي تظهر 6786 شخصا قتلوا بعد اعتقالهم هي صور حقيقية ، كما تم تحديد الموقع بواسطة الأقمار الصناعية ، وثبت أن الصور التقطت في ساحة السجن 601 في مستشفى مزة العسكري الواقع غرب دمشق. وأفاد خبراء أن المعتقلين خضعوا لأنواع من التعذيب والخنق والتجويع وفقأ الأعين والحرق وبعضهم مات بطلق ناري في الرأس.

وهكذا يبدو بوضوح أنه ليس هنالك أي تواصل بين النوايا الطيبة ، وبين الواقع المروع ..وانعدام التواصل رغم شدة التلاصق ، يعرف علميا (بالبرزخ ).

والبرزخ في علم الجغرافيا ، هو التقاء البحر المالح مع الماء العذب ، دون أن تختلط مياههما .

والقرآن قبل أربعة عشر قرنا نبأنا بذلك وفي سورة الرحمن(مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لايبغيان)

والبرزخ كمفهوم إسلامي هو الحاجز بين الحياة الدنيا والآخرة ، وهو المدة الزمنية التيي يقضيها الميت في قبره  . وحسب الحديث النبوي أن( القبر أول منزل من منازل الآخرة ، فإن نجا منه فما بعده أيسر )...إنه روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. وفي القرآن تأكيد لمفهوم البرزخ (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب)

ولعل هذا المفهوم الإسلامي البحت ، بعيد كل البعد عن اولويات آل فرعون ، الأسد وعصابته ، و بوتين ومساعده ذو السحنة الكريهة لافروف ، ومن والاهم وآزرهم من شياطين العصر ومجرمي الحرب .

وهكذا ومن من الواضح أنه بين مسامع هذه الشرذمة في مجالس الامن ، وبين  صرخات الاستغاثة من أهالي الغوطة ،  برزخ لايبغيان ، وعبثا ان تفقه قلوب ران عليها الشر والاجرام .

ولكن ماذا عن علماء الدين ؟ وماذا عن حفظة القرآن وأئمة المساجد؟  كيف لهم ان يتواصلوا مع كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار       وهنالك برزخ قائم بينه وبين عقولهم وقلوبهم وضمائرهم ؟

لقد رفعت اليوم بعض المؤسسات الدينية  شعار( التدين الجديد ) لتسويق إسلام خانع ذليل ، قائم على الإزدواجية والنفاق ، مهمته تنفيذ أجندات السياسة الأجنبية ، لم يرفع صوتا لنصرة المظلوم ، أو إقامة العدل ، أو إعلاء كلمة حق.

اليوم الغوطة الشرقية  تباد أطفالا ونساء، في مشاهد ترتجف لها الضمائر، وتدمي لها القلوب ، بينما يتعالى الخطاب الديني من منبر الجامع الأموي - أيها الملعونون في الغوطة الشرقية سنسحقكم تحت اقدامنا - هكذا استجاب خطيب الجامع الأموي لتلك المشاهد !.

سنوات قضاها مأمون رحمة ، والمفتي حسون ، وأمثالهم من أئمة الجوامع وحفظة القرآن ، وبين ضمائرهم  وكتاب الله ، برزخ منيع ، فياللعجب! ...في حين أن  الكفار لم يتمالكوا أنفسهم وطغت عذوبة وروعة الكلمات الإلهية على ملوحة قلوبهم الصدئة ، ليسجدوا مع المؤمنين ، في لحظة واحدة مع رسول الله ، في سابقة ليس لها مثيل في التاريخ . عندما قرأ عليهم سورة النجم (أزفت الآزفة . ليس لها من دون الله كاشفة. أفمن هذا الحديث تعجبون. وتضحكون ولاتبكون. وأنتم سامدون. فاسجدوا لله واعبدوا)

 ترى هل تتكرر هذه السابقة ، ليظهر من يوقف هذه  المجزرة المروعة في الغوطة ، وإن كان من غير المسلمين ، فينتبه ، ويدرك ويبادر لنجدة الأبرياء ، قبل أن يستيقظ المنافقون من علماء المسلمين ، من غيبوبة المداهنة والرياء ، وينتهوا إلى برزخ يعرضون فيه على الناربكرة وعشيا مع فرعون وآله  ؟

وسوم: العدد 761