الريبورتُ(الجسدُ الآلي) وَقهْرُ الإنْسَانِ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

هاتفني زميل عزيز يقول:"لقد قرأت مقالتكم القيَّمةِ:(العالمية والعولمة..إلى أين..؟ووقفت عند عبارة الريبورت(الجسدُ الآلي) وقهر الإنسان..فوجدت نفسي أمام إشْكَاليَّةٍ تجاه دلالات هذه العبارة..فأرجو تجليّتها..وإزالة الإشْكَالِ الذي أثارته..وأنت الذي تلح دائماً على مسألة تحرير المصطلحات..فشكرت اهتمامه وقلت له:لا يخفى عليكم أن(المَاركسيَّة-اللينينيَّةُ) جاءت لِتُعظِّمَ من شأن الفرد على حساب الدولة والمجتمع..وأطلقت نظرية (الماديَّة الجدليّة) وطرحت نظرية الصراع الطبقي..التي تطرَّفت إلى حالة من الصراع بين الإنسان والمادة..وطرحوا شعارهم(قهر المادة) بمعنى إخضاعها لأهوائهم وفلسفتهم..بعد أن عظّموها وقدّسوها فقالوا:(لا إله..والحياة مادة) وغالوا فقالوا:(الدين أفيون الشعوب)وانزلقوا بذلك إلى فلسفة قهر وجدان الإنسان..وهكذا راحوا يتخبطون بين توجهين خطيرين هما:قهر المادة وقهر الإنسان..وفلسفة(القهر) هذه إنمَّا هي من الغلو والتطرف الذي أخرج المَاركسيَّة عن زُخرف قولها ومبادئها التي زعمتها وتغنت بها..حيث افتتن بها كثير من النَّاس وأقامت بها أكبر إمبراطوريّةٍ ملحدةٍ في التاريخ البشري..وأخيراً فشلت نظريتها في الصراع والقهر وانهزمت الماركسيّة أمام قُدْسيَّة الرسالة الربَّانيَّة للمادة والإنسان..وانهارت وتهاوت أصنامها على النحو الذي شهده العالم أجمع..وهاهي المسيرة البشريَّة اليوم تواجه غلواً وتطرفاً مِنْ نوعٍ آخر..يأتي عبر انحرافات العولمة عن مقاصدها الإيجابيَّة في عَلْمَمِةِ الخير وتعميم نفعه بين الناس عبر تكاملٍ وتلازمٍ مع نظام عالمي عادل..يضبط ويُرشّد أنْسَنَةَ قدسيَّة حياة الإنسان وكرامته وحريته ومنافعه..ويعزز مهمته الأساس في عمارة الكون وإقامة الحياة الآمنة..وهكذا فإنَّ العولمة اليوم بفعل المُتحكّمين بمفاصل سيرها..آخذت بالتمرد على النظام العالمي لتكون النظام البديل عنه في تسيير الحياة..ولِتحقق من بعد غاياتها الخطيرة في الهيمنة والإقصاء..فها هي تُهمّش دور الإنسان وتعطل إرادته..وتستبدله بجسدها الآلي (الريبورت).لِتملي من خلاله إرادتها وتوجهاتها في تحقيق ما تريد..وبعد أعرفت ما المقصود بعبارة(الريبورت وقهر الإنسان)..؟ أمَّا لأمر الذي لا بد من التنويَّه عنه هو:أن الريبورت من حيث المبدأ يبقى مُنَتَجاً عَلميَّاً مُفيداً يوم نوظّفه في المسار الصحيح..فهو- مثل غيره من الإبداعات- وسيلة تيّسر للإنسان أداءه في ميادين الحياة..وهو وسيلة آمنه تستخدم في اقتحام مواقع كل ما هو خطر على حياة الإنسان وسلامته..أمَّا أن يُتخذ من (بني ريبورت) بديلاً ناسخاً ومعطلاً لمهمة(بني البشر) فلا وألف لا..وهنا نُذكَّر بأنهم بالأمس أرادوا أن يَئدوا الإنسان بدعوى(تحديد النسل) لمواجهة العوز والجوع بزعمهم ففشلوا..واليوم يريدون وأده بأن صنعوا نسلاً جسداً يضاهيه ويلغي قدراته..إنها عبثيّة الأداء الحضاري التي تُمارس في ميادين متنوعة..لِيجعلوها دماراً ووبالاً غلى حياة الإنسان بدلاً من أن تكون أمناً وسلاماً كما أرادها ربَّها سبحانه.وبعد فما العمل..؟وكيف نواجه هذا الغلو والتطرف الذي يصول ويجول في الأرض ..؟بكل تأكيد إنها مهمة كبيرة وصعبة.. ينبغي للعقلاء والحكماء التعاون والتنافس من أجل وقف هذه الحماقات التكنولوجيَّة..والعمل على تنمية وتأصيل العلاقة المتوازنة بين المادة والإنسان في عمارة راشدة للأرض..ومَنْ أجدر بالمسلمين وقد شرَّفهم ربُّهم فجعلهم خير أمة أخرجت للنّاس..تأمر بكل ما عُرف خيره وتنهى وتقاوم كل ما عُرف شره وتعيَّن ضرره للحياة..وأحسب أن الأنموذج الحضاري المتوازن الذي أقام صروحه الملك عبد العزيز- رحمه الله تعالى.لجدير بالتعزيز والتطوير ليكون الأنموذج الأصلح تقتدي به أجيال البشريَّة في ميادين الحياة..وقد جلَّى هذا الأمر سمو الأمير خالد الفيصل في كتابه القيّم(من الكعبة وإليها- بناء الإنسان وتنمية المكان) وأبان مساراته العملية في إصداره الأغر(إن لم...فمَنْ ..؟)والصلاة والسلام على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه.

وسوم: العدد 762