إن القيم الكونية حقا هي قيم الإسلام وليست قيم الغرب

ينعق البعض عندنا بالهرولة وراء تحقيق ما يسمونه بالقيم الكونية التي هي عندهم قيم الغرب  لتكون بديلا عن قيم الإسلام التي ارتضاها الله عز وجل لهذا البلد  ولغيره من بلاد الإسلام . وإضفاء صفة الكونية على قيم من وضع البشر مجرد نفخ في هذه الأخيرة وإحلالها محلا غير مستحق .  ومعلوم أن كلمة " كون " لا تقتصر دلالتها على كوكب الأرض أو على عالمنا ، بل تدل على  كل ما أوجد الله سبحانه وتعالى مما أدرك الإنسان، ومما خفي عنه .ونعت القيم بالكونية عند الناعقين بها ، وهم من الذين يخالفون قيم الإسلام، إنما يقصدون بها القيم الغربية على وجه الدقة لأن الغرب يسوق قيمه على أساس أنها النموذج الأمثل والملزم للبشرية . ولما كان الإنسان الغربي في نظره هو سيد هذا العالم والمتحكم فيه  بالقوة المادية والعسكرية ، فإنه يحاول فرض قيمه على الجميع . ومعلوم أن كلمة " قيم " تعني الفضائل أو الأخلاق التي تقوم عليها حياة المجتمع الإنساني. ولا يمكن أن تنعت  أخلاق البشر بالكونية إلا إذا تخلّقت بها مخلوقات أخرى تشاركه الوجود . ومن المخلوقات التي تشارك الإنسان الوجود على سبيل المثال لا الحصر الملائكة الكرام ، ولا يستطيع الإنسان أن يدرك سمو طبيعتها أو مكانتها أو إن صح التعبير قيمها . والإنسان حين ينبهر بقيم صادرة عن إنسان مثله ، ويريد التعبير عن انبهاره بها، يشبهه بالملك كما حصل مع النسوة اللائي قطعن أيديهن انبهارا بجمال نبي الله يوسف عليه السلام حيث قلن : (( حاشا لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم )) . وجرت العادة أن يقول الإنسان لغيره : " أنت مجرد بشر ولست ملكا " . ولهذا لا يمكن وصف  قيم الإنسان بالكونية طالما أنها توجد مخلوقات أخرى تشاركه الوجود في هذا الكون ، وطبيعتها تختلف عن طبيعته . ولا يمكن لمخلوق وصفه الله عز وجل بالجهول، واليئوس، والقنوط، والظلوم ، والضعيف ... أن تكون قيمه كونية . ولا يمكن لهذا الإنسان  أن يدرك ما يطمح إليه من بلوغ  قيم لها اعتبار إلا إذا امتثل لأمر خالقه، فحينئذ يكون من أولي الألباب والنهى وإلا كان كالأنعام أو أضل منها، يأكل ويتمتع كما تتمتع ، ولا قيم له حينئذ .

وعندما نخضع  للفحص والتدقيق ما يسميه البعض القيم الكونية ، وهي قيم العالم الغربي المهيمن ، والتي يقدمونها كبديل عن القيم الإسلامية ، نجدها في بعض جوانبها منحطة، ودون مستوى الأنعام كما قال الله تعالى في محكم التنزيل : (( أم تحسب أن أكثرهم  يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا)) ولا يسلم من قيمهم إلا ما وافق ما أراده الله عز وجل للخلق من قيم ضمنها رسالته الخاتمة للبشرية بين يدي الساعة . ونحن لا ننكر التقاء بعض قيم الغرب مع القيم الإسلامية ، ويكون ذلك بسبب التزام الفطرة التي فطر الله عز وجل الناس عليها ، ولكنها لا تلتقي كلها مع القيم الإسلامية .

 والمشكل أن الذين ينادون عندنا  بسيادة ما يسمونه بالقيم الكونية والتي هي القيم الغربية  تحديدا  إنما يختارون منها ما يخالف القيم الإسلامية ، والتي تنحدر بالإنسان إلى مستوى الأنعام أو أضل من ذلك . فهل حرية الجسد على سبيل المثال  لا الحصر ،وهي من قيم الغرب ، والتي تنتهي بالإنسان إلى العلاقة الجنسية الرضائية والمثلية يمكن أن تنعت بالكونية ؟ ففي هذه الحال هل تختلف العلاقة الجنسية عند الإنسان عن العلاقة الجنسية عند الأنعام ؟ ألا يكون في هذه الحال الإنسان الذي كرمه الله عز وجل بالعقل أضل من الأنعام التي لا تعقل ؟ وقياسا على هذا المثال تأتي باقي الأمثلة مما يصدر عن الإنسان الغربي الذي يملك زمام ما يسمى  بالقيم الكونية عند المنبهرين به من سلوكات تنحدر به إلى مستوى سلوك الأنعام . أليس قانون "الفيتو" قانون غاب أو قانونا وحشيا يحاكي استئثار الأسود في الغاب بالقوة لقهر باقي الحيوانات ؟ وأية قيمة كونية في هذا السلوك الحيواني المتوحش الذي يطلق أيادي خمس دول في العالم لتقرر مصير شعوبه بالفيتو ، وتشعل الحروب حيثما شاءت ، وتعز من تشاء ، وتذل من نشاء ؟

إن القيم الكونية حقا هي قيم الإسلام التي يتناغم فيها الإنسان كمخلوق مع باقي مخلوقات الكون ، يسبح كما تسبح لخالقها ، ولا يخرج عن الفطرة التي فطره الله عز وجل عليها تماما كما لا تخرج باقي المخلوقات عما فطرت عليه .

إن الدعوات إلى إحلال ما يسمى بالقيم الكونية ،وهي قيم العالم الغربي محل قيم الإسلام  في بلاد الإسلام ،هي دعوات إلى الانحدار نحو الدرك الأسفل من الضلال ، وهي مغامرة وخيمة العواقب . ولو انتبه الداعين إلى هذه القيم إلى فرار ملايين الغربيين نحو قيم الإسلام لأحجموا عن دعواتهم  خصوصا أنهم لم يبلغوا بعد ما بلغه الغربيون  الفارون إلى قيم الإسلام من تخمة قيمهم التي انحدرت بهم إلى مستوى الأنعام أو أضل . وليس من أكل كمن ذاق.

وأخيرا على المهرولين لإحلال القيم الغربية محل قيم الإسلام والذين يتبجحون بأنها كونية ،وما هي بكونية إن هم إلا يظنون أن يضعوا الحجارة في سراويلهم كما يقول المغاربة للمتسرعين والمهرولين ، فقد يصل الغرب بقيمه إلى ما لا تحمد عقاباه وهو واقع لا محالة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه اليوم ، أو من يدري قد يتحول عنها إلى قيم الإسلام  إذا تداركه الله عز وجل بألطافه  ، فيصبحوا  حينئذ على ما فعلوا نادمين.

وسوم: العدد 765