الرياضيات الأحدث، 4+1=5+1

د. محمد أحمد الزعبي

1.

منذ أن وصل ترامب إلى البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو يتوعد إيران بالويل والثبور وعظائم الأمور، دون أن يفصح عن دوافعه الحقيقية لهذا الموقف من طهران ، وترك أصدقاءه وأعداءه معاً يجمعون ويطرحون ، وهم حائرون بين ماذا ؟ ولماذا؟ وكيف ؟ ومتى ؟ ، وفي الثامن من هذا الشهر ( ماي ) بصق ترامب الحصوة من فمه ، وأمسك بالقلم وأعلن رسمياً خروج الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاق ( 5 + 1 ) ، ليصبح إسمه الجديد ( 4+1 ) .

 لقد أطلت علينا برأسها أخيراً رؤية ترامب لاتفاق أوباما وشركاه مع إيران ، ولكنها أطلت هذه المرة ليس من واشنطن ، وإنما من تل أبيب ، وذلك تمهيداً لنقل سفارته من تل أبيب إلى القدس (!!) . وهو مايعني واقعياً أن الخروج من الإتفاق النووي مع إبران ، لم يكن في حقيقته سوى حصان طروادة الذي كان يخفي في داخله ، الخوف الأمريكي ، بل الخوف الغربي عامة على " مسمارجحا " النظام الرأسمالي العالمي في الشرق الأوسط والوطن العربي ، أيالخوف على الكيان الصهيوني( إسرائيل) وهو ماكان يخفيه السيد ترامب سواء عن شعبه أو عن الشعب العربي .

 إن إيران ، ياسيد البيت الأبيض ، لم تهدد إسرائيل سوى بالشعارات الخلبية والكاذبة ( الموت لأمريكا الموت لإسرائيل ) والتي كانت تطلقها مع حليفيها الأكذب منها ألاوهما ، بشار الأسد و حسن نصر الله . لقد تفاخرت إيران على مسامعكم ، وأمام أعينكم ، ياسيد ترامب ، أنها تحتل اليوم أربعة عواصم عربية ، وعلى رأسها دمشق ( عاصمة الأمويين ) ، وقد بلغت ضحايا هذه المفاخرة الفارسية في سوريا ، وخاصة بعد أن دخلت سوخوي بوتن على الخط ، أكثر من مليون شهيد ، وضعفهم من المصابين والمعوقين والمفقودين ، وما لايعلم عددهم من المهجرين قسرياً من بيوتهم المدمرة أصلاً من قبل المحتلين الإيرانيين والروسى ، ناهيك عن ملايين اللاجئين إلى الدول المجاورة وإلى أوروبا وأمريكا ، وناهيك أيضاً عن مالا يقل عن مائتي ألف معتقل في سجون النظام . وناهيك أيضاً وأيضاً عن قتل وجرح وتهجير وتدمير بيوت آلاف اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ، ولا سيما في مخيم اليرموك بدمشق . أقول لقد بلغت ضحايا الشعبين السوري والفلسطيني على يد بشار وحلفائه الطائفيين الذين كانت تقف إيران على رأسهم ، هذه الأعداد الفلكية ولم نسمع أية ردة فعل إنسانية لامنكم ( أمريكا ) ولا من حلفائكم في ( أوروبا ) بوصفكم أنتم حماة الديموقراطية وحقوق الإنسان في هذا النظام العالمي الجديد ، اللهم إلاّ الكلمات الرنانة التي لاتسمن ولا تغني ، والتي بدأت في " جنيف1 " وتواصلت الجنيفات التي بات عددها عصي على العد ، وصولاً إلى " أستانا وسوشي بوتن " . لقد كشفت تجربة الشعب السوري مع إخوتنا في الغرب ، وبالذات مع من أطلقوا على أنفسهم " أصدقاء الشعب السوري "هو أن مايهم هذا الغرب ، واقع الحال ، هو مصالحه ثم مصالحه ثم مصالحه ، والتي من ضمنها حماية صنيعتهم ( إسرائيل ) ومن بعدهذه المصالح فليكن الطوفان .

إن إيران ياسيد البيت الأبيض ، لايمكنها لاسياسياً ولاعسكرياً ولا فنياً أن تصل إلى "القنبلة الذرية " من وراء ظهر" أقماركم الصناعية " التي تراقب كل صغيرة وكبيرة فوق كرتنا الأرضية ووفي بطنها ، ولذلك فإن خروجكم من اتفاق ( 5+1) ، لايمثل بنظرنا أية إضافة جديدة على الإشكالية القديمة ، القائمة بينكم وبين نظام الملالي في طهران ، النظام الذي أنتم من أتى به إلى إيران ، وأنتم من أزال أكبر حاجز من طريق تمدده نحو الغرب ألا وهو نظام صدام حسين ، وساعد بالتالي على تطبيق شعار مؤسسه الأول (آية الله !! الخميني ) المعلن في " تصدير الثورة " والتمدد نحوالغرب ،وأنتم من حمى ويحمي نظيره الطائفي في سوريا منذ 1970 وحتى هذه الساعة ، ولما كان ، كما يقول أحد الشعراء.

( لكل شيء آفة من جنسه ) ، فقد استلزم منكم حماية الثورة الشيعية في طهران، وجود ثورة مضادة لها سنية ،في بغداد ودمشق ، فكانت ( داعش) وبات عليكم فقط أن تمارسوا هوايتكم في التفرج 

 ( عن بعد ) على ماصنعته أيديكم .

2.

 إن الموقف الأوربي الذي بدا من حيث الشكل رافضاً لقرار الرئيس ترامب في الخروج من اتفاق (5+1) النووي ، إنما هو واقع الأمررفض شكلي لاقيمة عملية له ، ويعود هذا بنظرنا، إلى أن علاقة أوروبا مع الولايات المتحدة الأمريكية ( بغض النظرعمّن يتواجد في البيت الأبيض) هي أعمق اقتصادياً وأيديولوجياً من علاقتها سواء مع روسيا و الصين شريكيها في اتفاق (5+1) ، واللذين ماتزال تفوح منهما رائحة الأيديولوجية الإشتراكية السابقة وإن بصورة مخففة ،تكاد لاترى بالعين المجردة ، أو مع إيران سواء أكانت محاصرة أو غير محاصرة . .

 إن إيران قد ربحت المعركة الدبلوماسية عملياً معك ياسيد الرئيس ترامب . لقد خسرت الولايات المتحدة العظيمة والقوية ، هذا صحيح ، ولكنها ربحت بالمقابل حليفاً إقتصادياً وسياسياً ونووياً مكون من خمس دول كبيرة ومتطورة هي روسيا والصين وألمانيا وفرنسا ووبريطانيا ، حيث يمثل هؤلاء مع إيران رقما صعباً وهاماًجديداً هو (4+1) . هذا مع العلم أن روسيا والصين وأوروبا هم أقرب جغرافياً إلى إيران من أمريكا ، وبالتالي فإن علاقاتهم الإقتصادية معها ، وهي الدولة النفطية ، قد لاتنقطع ، وأن هذه العلاقات الإقتصادية ، أياً كان حجمها ، قد تمثل كسراًعملياً للحصارالأمريكي عليها . 

3. 

 إن قطع شعرة معاوية مع طهران ، ياسيد البيت الأبيض ، لا ولن يكون بالخروج من اتفاق (5+1 ) ، وإنما يكون فقط عندما تطلب أمريكا من طهران ومن حزب الله ( الموضوع عندكم على قائمة الإرهاب ) ومن حلفائهم الطائفيين الآخرين( ولا أريد أن أحمل أمريكا فوق طاقتها وأقول وبوتن )بمغادرة سوريا على الفور ،وترك حل مشاكل سوريا بيد السوريين أنفسهم أما ماعدا ذلك من الإجراءات اللفظية والشكلية ، فاسمح لي ياسيادة الرئيس ، واسمحوا لنا يأمن يطلق عليكم " أصدقاء الشعب السوري !! " المحترمين أن نظن بكم السوء جميعاً ، ولا سيما بعد أن وصلت ضحايا الشعب السوري على يد بشار الأسد وداعميه من الطائفيين والروس ، تلك الأرقام الفلكية التي ذكرناها أعلاه . إن التفرج على طفل واحد يذبحه شبيح دون المسارعة إلى إنقاذه ، إنما هو مشاركة عملية من المتفرج ( الساكت عن الحق ) ، فكيف والأمر بات يتعلق بقتل آلاف الأطفال ،إن لم أقل عشرات الآلاف، وليس بقتل طفل واحد . ورحم الله من قال ( الساكت عن الحق شيطان أخرس ) . 

نعم ، إن سكوت دول الإتحاد الأوروبي وأمريكا على ممارسات ودورطهران وحزب الله الطائفي، في سوريا والعراق ولبنان واليمن ، إنما يفضح واقعياً دورهم ومواقفهم السلبية ، ليس من الثورة السورية وحسب ، وإنما أيضاً من كافة ثورات الربيع العربي التي أطاحت بعملائهم في هذه الأقطار .

4.

يشكو نظام الملالي في طهران - بنظرنا - من ثلاثة عيوب كبيرة ، العيب الأولا ديني أيديولوجي ، يتمثل في إيمانهم المؤسف بعقيدة " الغيبة " ، وبانتظارهم الإمام المهدي الذي طالت غيبته ، وربما ستطول إلى مالا نهاية ،وسيبقى أحفاد آية الله الخميني يحكمون بسطاء الشيعة تحت اسم " ولي الفقيه " ربما إلى مالا نهية أيضاً ( أنظر جواد علي ، المهدي وسفراؤه الأربعة ، هامبورغ 1938 ، بالألمانية ، دار الجمل ، 2005 بالعربية ) ،والعيب الثاني ، يتمثل في ردة فعلهم على مقتل الإمام الحسين( رضي ) وذلك في العاشر من شهر محرم سنة 61 للهجرة على يد الأمويين ، ومعاقبتهم لأنفسهم بسببخذلانهم الحسين باللطم المبرّح لأنفسهم بأنفسهم ، وخاصة في عاشوراء ، رغم مرورحوالي الخمسة عشر قرناً على هذا الموضوع . ورغم أن العالم كله بات يستهجن هذا السلوك الغريب المحسوب على الإسلام .

 أما العيب الثالث والأهم بالنسبة لموضوعنا فهو العيب السياسي الطائفي الي يتمثل في دور ( نظام الملالي ) العسكري في سوريا بداية مع حزب الله اللبناني ولاحقا مع بوتن ، في دعم نظام بشارالأسد الطائفي الأقلياتي والديكتاتوري وغير الشرعي في سوريا ، والذي ارتكب أبوه حافظ خيانة البلاغ 66 في حرب 1967 ، حيث تحتل (إسرائيل) اليوم هضبة الجولان السورية وجبل الشيخ المطلان على دمشق من عل .

إن هذا الدعم والتأييد الطائفي لعائلة الأسد والذي يستظل بشعار" المقاومة والممانعة " الكاذب ، إنما هو واقع الحال امتداداً للحركة الشعوبية التي شهدها التاريخ العربي الإسلامي في نهايات العصر الأموي وبدايات العصر العباسي ، والتي تمثلت حينها وهي تتمثل الآن عند نظام ملالي طهران ، بداية في إنكار فضل العرب على غيرهم في الإسلام ، لكون الدين الإسلامي يساوي بين الناس ، وانتهاء بتفضيل العجم على العرب ، مرورا بتحقير العرب وتصغير شأنهم ، كل ذلك كان وما يزال اعتمادا على التفسير الطائفي المتحيز للآية القرآنية الكريمة :( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى ، وجعلناكم شعوب وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، إن الله عليم خبير . - الحجرات 13 ) .

وسوم: العدد 772