قصصُ العُروج(61)

*عِلَلُ التَّديُّن*

 *التحذير من علَل التدين:*

الآية التي تنتصب كبرهان سافر على خيرية هذه الأمة وتقدمها على سائر الأمم، هي قوله تعالى: *{كنتم خير أمّة أُخرجَت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم مِنهُمُ المؤمنون وأكثرُهُم الفاسقون}* [آل عمران: 110]، ونلاحظ في النصف الثاني من الآية تحذيراً قوياً مبطناً من العوارض التي تنال من خيرية الأمة، وهي إشارة إلى علل التدين التي نالت من خيرية اليهود وتفضيلهم على العالمين في زمنهم.

هذه العلل هي التي أشار إليها المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: "لتتبعن سَنَن من كان قبلكم شبراً فشبراً وذراعاً فذراعاً...".

ذلك أن ضعف الإيمان إن لم يتم تقويته بالمراجعات والتوبة، سرعان ما سيتسبب في انزلاق كثيرين إلى مهاوي الفسق، حيث الخروج من أبواب "شُعَب الإيمان" إلى مزالق الكبائر، وهي "الكبائر" التي تتسبب في "تصغير" الأمة وسقوطها من ناصية "خير أمة" إلى مستنقعات الفسوق والانحطاط !

 *عَصَا بني إسرائيل:*

ذُكرت العصا في القرآن اثنتي عشرة مرة، ووردت كلها في سياق قصة موسى وقومه، مما يشير إلى أن بني إسرائيل لا ينقادون إلا للعصا، سواء كانت عصا المعجزة أو عصا التأديب والعقاب !

ومن المعلوم أن عدد أسباط بني إسرائيل اثنا عشر سبطاً، فهل يمكن القول إن لكل قبيلة من هذه القبائل عصا خاصة بها ?!

ومهما يكن الأمر فإن اليهود أمة اجتمعت فيها علل التدين عند سائر الأمم الأخرى، ولذلك سلّط عليهم الله مختلف العِصيّ، بما فيها عصا المعجزات الخارقة التي تبعها التأديب والتعذيب، عندما قوبلت بالتشكيك والتكذيب !

 *نماذج وأمثلة:*

برغم احتواء القرآن على قصص كثيرة من السابقين، استغرقت نحواً من مساحة ثلث القرآن الكريم، إلا أن ما ذكره القرآن يظل مجرد أمثلة متنوعة، كما قال تعالى: *{ولقد أنزلنا إليكم آياتٍ مُبيِّناتٍ ومَثَلاً من الذين خَلَوا من قبلكم وموعظةً للمتقين}* [النور: 34]،فالمَثَل هنا بمعنى النموذج لكل نوع من أنواع الانحراف.

وقد صرّح القرآن بأن من ذكرهم الله من الأنبياء هم مجرد أمثلة: *{منهم من قَصَصْنا عليك ومنهم من لم نَقْصُص..}*، حيث استوعبت هذه النماذج كافة الأبعاد في قصص الحياة، واستعرضت شتى علل التدين التي يمكن أن تصيب أمة الإسلام إلى قيام الساعة، وما على المسلمين إلا استنباط العبر والدروس لتصبح حياتهم أفضل وليكونوا أسعد الناس!

 *النقد الذاتي وزيادة الفاعلية:*

إن ممارسة المراجعات دوماً واجتراح النقد الذاتي، تُمكِّن الناس من اكتشاف أخطائهم فيقضون عليها في مهدها، وتُعينهم على معرفة نقاط قوتهم فيعظمونها ويطورونها، ومن ثم فإن من يقومون بهذا تزداد قوتهم عاماً بعد عام، وهذا هو عين ما دل عليه قوله تعالى على لسان نبي الله هود: *{ويا قومي استغفروا ربَّكم ثم توبوا إليه يُرْسلِ السماءَ عليكم مِدْراراً ويَزِدْكم قوةً إلى قوتكم ولا تَتَولَّوا مُجرمين}* [هود: 52]، وتأمّل معي قول هود: {ويَزدكم قوة إلى قوتكم} وكيف يشير بوضوح إلى أن الاستغفار بدائرته العريضة والتوبة بمعناها الشامل يقومان بتعظيم نقاط القوة ومضاعفتها.

وسوم: العدد 773