شرائعٌ سماويّةٌ..لا أديَّانٌ سَماويَّةٌ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

منَ الخطأ العقديِّ الشائعِ عند بعض النَّاس حتى- للأسف-عند بعض طلبة العلم استخدامُ عبارةِ:(أديَّانِ سماويِّةِ) أي بمعنى أديَّان ربَّانيَّة لأن الله تعالى رب العالمين موجود في السماء..والحقيقة المطلقة التي لا تقبل الجدل ولا المماحكة:أنَّ ديِّنَ الله تعالى واحدٌ..أساسه إخلاص العبوديَّة لله سبحانه وتوحيده وعدم الشرك به..وهذا ما بشرَّ به جميع الرسل فكان كل واحد منهم -عليهم الصلاة والسلام-يخاطب قومه فيقول:"يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ"وأكد ذلك الله تعالى لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم قائلاً:"وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ"واختص سبحانه كل رسول بشريعة تناسب أحوال القوم الذين أُرسل إليهم زماناً ومكاناً كم في قوله تعالى:"لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا".فدينُ الله تعالى واحدٌ بشرائعَ مُتعددةٍ..لذا فإنَّه لمن الخطأ العقدي أن يُقال:(أديَّان سماويَّة).

والحقيقة المطلقة التي ينبغي تأكيدها باستمرار ما أكده ربُّنا جلَّ جلاله:"إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ"والإسلام تسمية قال بها أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما في قوله الله تعالى:"مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ"وأكدها ربّنا سبحانه مع بعثة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى:"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا"أجل دين الله تعالى واحد لا يتعدد فهو دين سماويُّ واحدٌ لا أديَّان سماويَّة..أما الأديَّان الروحيَّة والفلسفيَّة والثقافيَّة التي ابتدعها البشر فلا يصح نسبتها إلى الله تعالى..أما الشرائع فهي نوعان:الأول شرائع ربانيَّة:شرَّعها الله تعالى لعباده جميعاً وهي متعددة..لذا يصح بشأنها القول:(شرائع سماويَّة) والنوع الثاني شرائع بشريَّة:وهي التي شرَّعه البشر لأنفسهم  فما توافق منها مع القيم الربَّانيَّة ومقاصدها فهو مقبول ومحمود..وما تناقض منها مع قيم دين الله تعالى فهم أحرار فيما يختارون كما في قوله سبحانه:"أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ"أجل دين الله تعالى واحد لا يتعدد لذا يجب بشأنه القول:(دين سماويّ)..أما الشرائع الربَّانيَّة فهي متعددة لذا يصح بشأنها القول:(شرائع سماويَّة) وهذا التحرير لدلالة المصطلحات تضمنَّها ميثاق الحوار مع الفاتيكان 1992م..ويومئذ قلت لفخامة بابا الفاتيكان:أحسب أن الاعتراف القائم بين أتباع الأديان اليوم..إنَّما هو اعتراف وجود لا اعتراف اعتقاد..وذلك بسبب ما طرأ من اختلالات في الفهم العميق والدقيق للحقيقة الإلهيَّة الربَّانيَّة الواحدة المطلقة قال:أوافقك.

وسوم: العدد 773