أريد أن أُقنعها برأيي!

د. محمد رشيد العويد

قال: أريد أن أستشيرك في زوجتي.

قلت: تفضل.

قال: كيف أُقنعها بصواب رأيي.

قلت: وما هو رأيك الذي تريد أن تقنعها بصوابه؟

قال: ليس رأياً واحداً، إنها تخالفني في آراء كثيرة ولاتوافقني على أيٍّ منها.

قلت: ولمَ تعتقد أن آراءك صائبة كلها؟ ألا يمكن أن تكون زوجتك على حق في مخالفتها لك؟

قال: لا، لا، ليست دائماً على حق.

قلت: إذن هي أحياناً على حق.

قال: أحيان قليلة جداً.

قلت: وهل آراؤك التي تخالفك فيها متعلقة بأسرتكما؟

قال: بعضها، لكن أكثرها في قضايا الحياة العامة، والسياسة، والفِكْر….

قلت: ماذا تفعل حين تخالفك زوجتك في رأيك؟

قال: أغضب طبعاً، ويزداد غضبي حين تعاندني وترفض أن تنصاع للحق الذي أقوله، فيرتفع صراخنا ونتشاجر ويهجر أحدنا الآخر.

قلت: أرأيت؟ جِدالُكما يقتل ما بينكما من مودّة، ويخسر كل منكما الآخر حين تتهاجران.

قال: والحل؟ كيف أُقنعها برأيي؟

قلت: الحلّ في ألا تحرص على أن تُقنعها برأيك.

قال: أتركها تغلبني لتكون هي على حق..؟!

قلت: تركك الجدال لا يعني أنك صرت مغلوباً وأنها صارت غالبة.

قال: ستفهم هي سكوتي وانسحابي بأنه إقرار مني بأني لست على حق.

قلت: ألا يرضيك أنك بهذا تُرضي النبي (صلى الله عليه وسلم)؟

قال: كيف؟ هل دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى هذا؟

قلت: نعم، ووَعَدَ عليه ببيت في الجنة.

قال: لا أذكر ذلك.

قلت: أُذَكِّرك به؛ عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً). صحيح الجامع.

قال: أحفظ الحديث، ولكن هل يشمل ما يدور بيني وبين زوجتي من نقاش؟

قلت: طبعاً يشمله، فما الجدوى من محاولة إقناع زوجتك بقضية من القضايا السياسية، أو أن فلاناً من الناس على حق أم على باطل، وغير هذا وذاك مما لاصلة له بأسرتكما؟!!

قال: يصعب علي أن أتوقف عن إقناعها لأنسحب من أمامها وأنا متأكّد أنني على حق فيما أراه!

قلت: كأنك نسيت ما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) في آخر الحديث: (وإن كان محقّاً)؟!

قال: الله أكبر.. إي والله، هذا خير ما يجعلني أقفل الجدال: أخاطب نفسي: أنا على حق.. نعم.. ولكني أريد بيتاً في الجنة وعدني به النبي (صلى الله عليه وسلم).

قلت: أحسنت، بارك الله فيك، هكذا تنتصر على الشيطان الذي يُزيِّن لك أن تواصل جدال زوجتك لتفحمها بصواب رأيك وخطأ رأيها.

قال: وبهذا أتقي ما يحدث بيننا من نزاع، وما يعقبه من هجران يغلبنا به الشيطان.

قلت: وإذا كنت تخشى أن تظهر مهزوماً مغلوباً أمام زوجتك فإنك تستطيع أن تُنهي ما يمكن أن يثور من جدال بقولك: ما علينا منهم، لايهمنا أمرهم، سواء كان فلان على حق أم على باطل، المهم قولي لي ماذا ستطبخين لنا اليوم من أكلاتك اللذيذة؟

أو تقول: هل تصدقين.. كادوا يشغلونني عن موعدي.. لقد تأخرت.. توصين على شيء أحضره لك؟.

وسوى هذه وتلك من العبارات الجميلة التي تُغلق بها ما يمكن أن يثور من جدال مرير.

قال: أشكرك، وإني لأرجو الله أن يوفقني في منع تكرار تلك المجادلات العقيمة التي تكاد تعصف باستقرارنا وزواجنا.

قلت: اللهم آمين.

وسوم: العدد 775