أحداث وراء أحداث ... حكاية اسمها اليمن

أ.د. نجيب سعيد غانم

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

بسم الله الرحمن الرحيم

أحداث وراء أحداث ... حكاية اسمها اليمن

ما الذي يجري في اليمن؟

كاد اليمن أن ينجز كل استحقاقات المرحلة الانتقاليّة بعد ثورة فبراير 2011م، خاصّة بعد أن نجح في:

التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في الرياض بتاريخ 23نوفمبر 2011م. تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة محمد سالم باسندوة، 7 ديسمبر 2011م، حيث أصدر نائب الرئيس عبدربه منصور هادي: قرارًا جمهوريًا بتشكيلها. انتخاب رئيس توافقي للجمهورية اليمنية وتمّ التوافق على شخصية: (عبدربه منصور هادي)،21 فبراير 2012م. البدء بعقد جلسات مؤتمر الحوار الوطني الشامل بتاريخ 18 مارس 2013م.  انجاز وإقرار وثائق مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بتاريخ 21 يناير 2014م. تشكيل لجنة صياغة مسودة الدستور لليمن الاتحادي بتاريخ 2 مايو 2014م. وانجاز اللجنة صياغة مسودة الدستور في يناير 2015م. نجح اليمنيون في استكمال الكثير من استحقاقات المرحلة الانتقالية والتي منها إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية والعسكرية، واتسمت هذه المرحلة باستقرار الأوضاع، وثبات صرف العملة اليمينة، وعادت عجلة التنمية للدوران، وبدأت الحكومة تُزاول نشاطها المعتاد، كما عاد القطاع الخاص ليمارس نشاطه، وعاد الناس الى وظائفهم وأعمالهم، وبدأ العالم يشيد بالثورة الشبابية الشعبية السلمية، وبدا كأن اليمنيين قد اجتازوا الامتحان بنجاح. وبالرغم من كل ما تحقّق في هذه المرحلة، بقي هناك جهتان لم يرق لهما ذلك الانجاز الذي صنعه الشعب اليمني هما:

1-    الجهة الأولى: منظومة الرئيس السابق الراحل على عبد الله صالح الحزبية والسلطوية العسكرية والقبلية.

2-الجهة الثانية: الحوثيون.

حيث قاموا بالتمهيد للانقلاب على السلطة الشرعية فقام علي عبد الله صالح والحوثيون باجتياح مدينة عمران وقتل العميد حميد القميشي قائد اللواء 310 مدرع في عمران بتاريخ 10 يوليو 2014م.

ما الذي حدث بعد ذلك؟

لقد كان الانقلاب الحوثي العفاشي مكتمل الأركان في 21 سبتمبر 2014م (في يوم التوقيع نفسه على اتفاقية السلم والشراكة الوطنية). والذي أدّى الى إرجاع الأوضاع في اليمن الى مربع صفري يسبق بمراحل وعقود نهايات المرحلة الانتقالية الناشئة كإحدى استحقاقات ثورة فبراير 2011م من خلال نقض الحوثي وعلي عبد الله صالح لكل العهود والمواثيق التي قاموا بالتوقيع عليها وتعهّدوا الالتزام بها؛ مثل قيام عفاش بالتنصل من استحقاقات المبادرة الخليجية، وكذا قيام الحوثيون بالتنصل من وثيقة السلم والشراكة الوطنية.

إرهاصات ما بعد الانقلاب الحوثي العفاشي

احتلال صنعاء بعد عمران في 21 سبتمبر 2014م، من قبل المليشيات الحوثية بدعم ومساندة من قبل عفاش وأعوانه في الحرس الجمهوري وبقية الاجهزة العسكرية والامنية والعناصر الحزبية والقبلية التابعة للمؤتمر الشعبي العام. إفلات الرئيس عبدربه منصور هادي من الإقامة الجبرية في منزله والتي فرضتها عليه مليشيات الحوثي، ونجاحه في الوصول الى عدن بتاريخ 28 فبراير 2015م. اجتياح مليشيات الحوثي وعفاش للكثير من المحافظات الجنوبية بعد اجتياحها السابق لبعض المحافظات الشمالية ومنها ذُمار وإبّ والحديدة ووصولها الى عدن بتاريخ 23 مارس 2015م. مشاركة الرئيس عبدربه منصور هادي في قمّة شرم الشيخ ووصوله بعد ذلك الى الرياض وطلبه من السعودية المساعدة والإعلان عن قيام عاصفة الحزم في 25 مارس 2015م، من قبل قوات التحالف العربية بقيادة المملكة العربية السعودية. إعلان الأمانة العامة للتجمع اليمني للإصلاح من داخل أمانة العاصمة صنعاء بتاريخ 3 ابريل 2015م مساندتها لعاصفة الحزم. بدء حملة الاعتقالات والاغتيالات والخطف في صفوف قيادات وأعضاء وكوادر التجمع اليمني للإصلاح في أمانة العاصمة وفي الكثير من المحافظات التي تقع تحت سلطة الانقلاب الحوثي العفاشي، وقد صاحب تلك الحملة احتلال وتدمير الكثير من مساكن الاصلاحيين ودور القرآن الكريم ومقرات الإصلاح الحزبية ابتداء من تاريخ 5 مارس 2015 وحتى اليوم.

أحداث وقعت في حرب الانقلاب الحوثي العفاشي على السلطة الشرعية في اليمن

في 11 أبريل 2015م ارتفعت وتيرة المواجهات العسكرية بين قوات المقاومة الوطنية والجيش الوطني _الذي بدأ في التشكل_ من جهة، وبين المليشيات الحوثية الانقلابية من جهة أخرى، لتشمل معظم مناطق التماس في الكثير من المحافظات اليمنية. واتسمت في بدايتها باستعصاء المحافظات الآتية: مأرب والجوف والبيضاء وتعز حشية السقوط تحت جحافل المليشيات الانقلابية العفاشية، وأفضت أخيرا الى طرد المليشيات الحوثية الانقلابية من معظم أجزاء تلك المحافظات. سقوط المخا ولحج والكثير من مناطق تعز في 25 مارس   2015بيد المليشيات الحوثية العفاشية. بداية حصار محافظة تعز من قبل المليشيات الحوثية الانقلابية وقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والامن المركزي الموالية لعفاش في 25 مارس 2015 وحتى اليوم أواخر مايو 2018م. تعيين خالد بحاح نائبا لرئيس الجمهورية في 12 ابريل 2015 اضافة الى عمله رئيسا للحكومة اليمنية. مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة يصدر القرار رقم 2216 بتاريخ 17 أبريل 2015م والذي قضى بفرض عقوبات تمثّلت في تجميد أرصدة وحظر السفر للخارج، طالت الرئيس السابق الراحل علي عبدالله صالح، وزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، وأحمد علي عبد الله صالح نجل الرئيس السابق، والقائد السابق للحرس الجمهوري اليمني، وهؤلاء متهمون من قبل المجلس بـ"تقويض السلام والأمن والاستقرار" في اليمن

وتضمن القرار حظر توريد الأسلحة والعتاد ووسائل النقل العسكرية، للأشخاص الخمسة المذكورين بالاسم في القرار وهم: (صالح ونجله وقادة الحوثيين الثلاثة وهم عبد الملك الحوثي وعبد الخالق الحوثي وعبد الله يحي ابو علي الحاكم) وجميع الأطراف التي تعمل لصالحهم في اليمن، وذلك في إشارة إلى أنصار حركة الحوثيين والجنود الموالين لصالح.

بدء المحادثات في مدينة جنيف بسويسرا بتاريخ 14 يونيو 2015م، بين وفد الحكومة اليمنية التابع للسلطة الشرعية والوفد الانقلابي المكوّن من الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام الموالي لعفاش. تحرير محافظة عدن بالكامل من المليشيات الحوثية العفاشية، بتاريخ 16 يوليو 2015م، وبعد ذلك بعدة أشهر تم تهيئة كل من مطار عدن ومينائها للبدء بالتواصل مع العالم الخارجي. وفي 22 فبراير 2016م تم تعيين الفريق علي محسن الحمر نائبا للقائد الاعلى للقوات المسلحة اليمنية. وفي 3 أبريل 2016م أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قرارين جمهوريين قضى الأول: بتعيين الفريق علي محسن الأحمر نائبًا لرئيس الجمهورية وقضى الثاني بتعيين الدكتور أحمد عبيد بن دغر رئيسًا للوزراء، وفي اليوم التالي أدّى كلٌّ من الفريق الأحمر والدكتور أحمد عبيد بن دغر اليمين الدستورية. ومن ضمن الأحداث التي نذكرها على سبيل المثال لا الحصر هو قصف الصالة الكبرى بصنعاء من قبل طيران التحالف العربي بتاريخ 8 اكتوبر 2016م، والتي راح ضحيتها اكثير من 130 مواطنا وحوالي 700 جريح. اغتيال المليشيات الحوثية للرئيس السابق علي عبد الله صالح عفاش في 2 ديسمبر 2017م. وحتى لا نغرق في التفاصيل فقد تميزت الفترة منذ منتصف يوليو 2015 وحتى منتصف مايو 2018م بكثرة الأحداث الجسام خلال حرب استعادة السلطة الشرعية في اليمن، _بالإمكان الرجوع اليها  لمزيد من الاستيضاح_ كما تفشّت في ربوع اليمن حالات الفقر والفاقة جراء نهب المليشيات الانقلابية للموارد العامة للدولة، وتوقف الدولة عن دفع الرواتب لموظفيها كما انتشرت الكثير من الامراض والأوبئة في الكثير من المدن اليمنية مثل الكوليرا، وحمى الضنك، والدفتيريا، والحصبة؛ كنتيجة مباشرة لتدني بل لانعدام مصادر مياه الشرب النظيفة ووسائل الصرف الصحي وكذلك بسبب ضعف أو غياب الخدمات الاساسية في مجالات التعليم والصحة والكهرباء وغيرها.

الحصاد المر:

سقوط أكثر من عشرين ألف شهيد في اوساط الجيش الوطني والمقاومة الوطنية والمدنيين وأكثر من 30 ألف جريح. سقوط حوالي (50000) خمسون ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى في أوساط المليشيات الحوثية العفاشية الانقلابية. إصرار المليشيات الانقلابية على الاستمرار في حربها العبثية ضد السلطة الشرعية في اليمن وضد المواطنين اليمنيين الذين يرزحون تحت سلطتها القمعية والمستبدة. تدمير جزء كبير من البنية التحتية لليمن بفعل اصرار المليشيات الحوثية الانقلابية على الاستمرار في خوض الحرب العبثية   وبفعل غارات التحالف العربي. سقوط المئات من الضحايا المدنيين في المدن والمناطق التي تقع في نطاق العمليات الحربية إمّا بقصف قوّات الحوثي العبثية لمدن مثل تعز ومأرب والجوف والبيضاء ويبحان وكذلك في المدن الجنوبية مثل عدن ولحج وابين والضالع وشبوة أو بسبب الأخطاء الحاصلة بواسطة غارات طيران التحالف العربي. انتشار الكثير من الأمراض في معظم المدن اليمنية وبخاصّة تلك التي تقع تحت سلطة الحوثيين. وكذا اتساع رقعة الفقر والفاقة في أوساط موظفي الدولة جراء استيلاء المليشيات الحوثية على الموارد العامة للدولة ونهبها المنتظم للمال العام وامتناعها عن صرف الرواتب لموظفي الدولة.

اليمن إلى أين؟

المليشيات الحوثية الانقلابية في مراحل سقوطها الاخيرة. الجيش الوطني يتقدم على كافّة الجبهات على طول الساحل الغربي لإقليم تهامة، وفي كلٍّ من مأرب والجوف والبيضاء وتعز وغيرها. بوارق حسم المشهد الدامي لصالح عودة السلطة الشرعيّة في اليمن تلوح بالأفق بالرغم من ضعف الحكومة اليمنية والسلطة الشرعية. الكثير من الأطراف الاقليمية والدولية تظهر قناعة بضرورة سرعة انهاء الحرب ودفن الانقلاب الحوثي وعودة السلطة الشرعية الى صنعاء. توجد الكثير من التحديات والصعوبات والمخاطر والتي تعترض تطلعات الشعب اليمني لعودة السلام والاستقرار في اليمن بعد حسم الانقلاب الحوثي باستثناء إيران التي تريد استمرار الحرب ليكون لها موطئ قدم في اليمن وفي مدخل البحر الأحمر غير مكثرة بحجم التضحيات الجسام التي يقدمها الشعب اليمني مقابل تحقيق أطماعها التوسعية في جنوب غرب الجزيرة العربية وعلى تخوم الحدود الجنوبية للملكة العربية السعودية. كما   توجد تباينات في الاستراتيجيات طويلة المدى لبعض دول التحالف العربي المشاركة في عاصفة الحزم والمتعلقة بترتيب مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، تلك المصالح المرتبطة بموقع اليمن الاستراتيجي وبحساسية موانئه وممراته البحرية المرتبطة بالتجارة الدولية وبالناقلات النفطية، وعلاقة ذلك كلّه بشكل الحكم المستقبلي في اليمن بعد حسم الانقلاب وعودة السلطة الشرعية للحكم فيه (وما حدث مؤخرا في جزيرة سقطرى نموذجا).

الخلاصة:

       وبالرغم من التسارع في وتيرة دحر مليشيات الانقلاب الحوثية في هذه الأيام، وقد تجلّى ذلك واضحًا في الساحل الغربي التهامي وفي البيضاء وبيحان وفي محافظات مأرب والجوف وصعدة وتعز وحجة ومن قبل في المحافظات الجنوبية، إلا إنّ ذلك كلّه لن ينهي المشهد الدامي على نحو يعيد السلطة الشرعية الى استلام مقاليد الأمر في العاصمة صنعاء وفي بقية محافظات الجمهورية والى عودة الأمن والطمأنينة الى ربوع الوطن، فإن لم يدفن الانقلاب الحوثي الى غير رجعة. فلا معنى لأي حوار سياسي بين السلطة الشرعية وبين مليشيات الانقلاب الحوثية قبل الحسم في الأمور الآتية:

دخول الجيش الوطني لاستلام كل مرافق الدولة في عواصم المحافظات. تسليم مليشيات الحوثي لكل الأسلحة الثقيلة وكل الذخائر التي تم الاستيلاء عليها من معسكرات ومخازن الدولة عشية الانقلاب المشئوم على جيش السلطة الشرعية في سبتمبر 2014م، وكذلك قيام طلائع الجيش الوطني باستلام وإدارة المعسكرات التي ظلّت تحت سيطرة مليشيات الانقلاب الحوثية. إطلاق سراح كل المساجين والمعتقلين السياسيين الذين قامت مليشيات الحوثي باختطافهم وتغييبهم وتعذيبهم طيلة فترة الانقلاب. إرجاع مليشيات الحوثي كل ما تمّ الاستيلاء عليه من المال العام ومن إيرادات الدولة   واصولها، ومن أموال المواطنين وأصولهم. التأكد من المليشيات الحوثية الانقلابية بأنها قد أذعنت لكل المرجعيات الثلاث التي تستند عليها السلطة الشرعية وهي ما تبقى من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل وقرار مجلس الامن رقم 2216 والقرارات الدولية الصادرة من مجلس الأمن ذات العلاقة. قيام السلطة الشرعية في اليمن بإدارة جلسات حوار سياسي مع كافّة الفرقاء لترتيب كل استحقاقات مرحلة ما بعد حسم الانقلاب، واستكمال ما تبقّى من استحقاقات العملية السياسية التي توقفت عشية الانقلاب الحوثي والمنصوص عليها في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وهي على النحو التالي:

1-    تنفيذ ما تبقى من بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية

2-    إعداد وتنفيذ متطلبات العدالة الانتقالية.

3-    مراجعة مسودة دستور اليمن الاتحادي تمهيدا لعرضه على مجلس النواب لإقراره ومن ثم عرضه على الجمهور اليمني للاستفتاء.

4-    تحسين الأوضاع والعمل على عودة الخدمات الأساسية العامة والبدء بإعادة إعمار ما دمرته الحرب وبدء مسيرة التنمية عبر صيغة من التلاحم والتحالف الاستراتيجي مع دول منظومة مجلس التعاون الخليجي.

5-    الترتيب لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية (بحسب شكل نظام الدولة الذي سيتم الاتفاق عليه) وذلك لإنهاء الفترة الانتقالية ودخول اليمن في فترة حكم أمن واستقرار.

6-    مراجعة مقررات ومخرجات الحوار الوطني الشامل والبدء بصياغة البرامج التنفيذية لها، وإلزام الحكومة الوطنية القادمة على تنفيذها.

وسوم: العدد 775