عندما يخطىء السوريون في العربية فعليها السلام

صدمت وحزنت حين طالعت السؤال الذي خصت به كلية الحقوق في جامعة القنيطرة السورية ؛ في مادة " العقوبات " حادثة إصابة سيرخيو راموس لاعب الرويال الأسباني لمحمد صلاح مهاجم ليفربول الإنجليزي . مصدر الصدمة والحزن احتواء السؤال ثلاثة أخطاء ، أولها إملائي حيث كتبت ( مساءلة ) " مسائلة " ، والآخران نحويان حيث ورد " أربع شروط " بدل " أربعة شروط " لمخالفة العدد للمعدود حسب قاعدة التذكير والتأنيث ، وورد " تعداد " بدل " تعداداً " لكونها مفعولا مطلقا للفعل " عدد " الوارد في السؤال . سؤال واحد احتوى ثلاثة أخطاء ، فما أمر بقية الأسئلة ؟! صدمت وحزنت لورود هذه الأخطاء في اختبار كلية جامعية سورية لاعتبارنا سوريا الحبيبة أحصن قلعة للغة العربية في كل مجالات استخدامها ، وقد تسنمت هذه المكانة الرفيعة لكونها البلد العربي الوحيد الذي يدرس كل العلوم الطبيعية والإنسانية باللغة العربية في كل المراحل التعليمية . وأنتج هذا النهج القومي الصحيح مستويات أداء لغوي راقٍ في كل ألوان  الفعل التعليمي والأدبي والفكري والعلمي والثقافي في سوريا . الكتابة السورية في كل فنونها أرقى الكتابات العربية لغة ، والساسة السوريون أفصح الساسة العرب ، بل لا يجب مقارنة الساسة العرب بهم أصلا ؛ لأن هذه المقارنة قد توحي بأن للساسة العرب الحاليين نصيبا ما من الفصاحة وفق المؤدى الصرفي لأفعل التفضيل بينما هم في الحقيقة ، ومثلما نسمعهم في مؤتمرات القمة وفي غيرها ، ضعاف جدا حتى في القراءة . وليس من فراغ وبلا دلالة أن نسبة مشهودة من الدبلوماسيين السوريين شعراء كبار ، ومنهم الراحل الجميل نزار قباني . إذن بم نفسر الأخطاء في اختبار كلية الحقوق ؟! ومنطقي أن نتساءل : وما خبر الاختبارات الأخرى ؟! وما خبر الجامعات الأخرى ؟! هل نفسرها بأهوال الحرب ومآسيها وما خلفته من خراب وتردٍ في كل شيء ، ومن ذلك التعليم ؟! الحرب تفعل هذا ، وما هو أهول وأسوأ ، ومن مساوئها أنها تصرف الناس بقوة حتى عن إتقان ما يحسنونه قبلها . إنها تختلق سلوكيات تشوبها اللامبالاة ، وتدفع لقبول المستويات المتدنية في الأداء ، ومثلا ، كان في المتاح عرض الأسئلة على مدقق لغوي إذا كان مدرس المادة لا ثقة له في قدرته اللغوية ، إنما هو سلوك  اللامبالاة الذي تصيب به الحرب الناس . وعن أثر الحرب والاضطرابات في إضعاف اللغة نلتفت إلى ما حدث في غزة والضفة الغربية في الانتفاضة الأولي . في تلك الانتفاضة التي دامت 6 سنوات كثر إغلاق سلطات الاحتلال للمدارس ، واتسع تسيب الطلاب وتسربهم ، واضطر المدرسون أحيانا إلى إعطاء الدروس في المساجد أو في أي مكان فيه قدر ولو محدود من الملاءمة ، ومع توالي الأحداث والاضطرابات ، والتساهل في التنجيح مراعاة للظروف ، بدا الضعف اللغوي في أداء الطلاب في تجليات مقلقة ، والخطير أن تلك الظروف في مجملها أورثت روحية ومسلكية إهمال اللغة العربية ، ومن العادي الآن أن نرى أو نسمع مدرسا للغة العربية في قناة فضائية أو في إذاعة يشرح " درسا نموذجيا " لطلاب الثانوية العامة بلهجة عامية صرف كأنه في سوق . يروق لي أحيانا أن أحكي حادثة قديمة لأستاذ للأدب العربي في جامعة دمشق . طلب ذلك الأستاذ في الجزء الشفوي من الاختبار ؛ من طالب أن يعرب جملة مبدوءة بفعل ماضٍ ، فأثبت الطالب في إعرابه للفعل الياء في كلمة " ماضٍ " ، فأقسم الأستاذ ليحرمنه النجاح في الاختبار . قد يكون الأستاذ قاسيا ، لكن قسوته تشهد على التشدد في الحفاظ على العربية . لنا أن نصدم ونحزن لورود أخطاء في اختبار كلية سورية . إذا ضعفت العربية في سوريا ، وهي القدوة  في تعليمها والحفظ الحازم لمكانتها  ،  فعليها السلام في أي مكان آخر . الحرب على سوريا تستهدف من بين ما تستهدف وزنها الحضاري الكبير والعروبي الأصيل . حمى الله سوريا قلب الأمة النابض مثلما وصفها جمال عبد الناصر.

وسوم: العدد 776