حب الذات والأنانية والمصلحة الشخصية والانتهازية والمحسوبية والزبونية بواعث كل أشكال الفساد

وأفادني أحد الإخوة الفضلاء عبر الوتساب  بفقرة سماها " الفحص الذاتي للفساد" ضمّنها مجموعة من السلوكات المنحرفة  الصادرة عن البعض، والدالة على استعدادهم لممارسة الفساد بكل أشكاله ، فقدح  في نفسي زناد  طرح موضوع  الفساد الذي طالما عالجته في مقالات متعددة  ، وبعث في نفسي الرغبة من جديد لطرح ما أوحته  لي تلك الفقرة الطريفة والمهمة في نفس الوقت التي طرحها صاحبها كمعيار أو كمقياس لقياس مدى استعداد الإنسان لممارسة الفساد من خلال  بعض السلوكات  المشينة  التي قد لا يلقي لها كثير من الناس بالا وهي في الحقيقة وبال .

ومضمون تلك الفقرة أن كل من يتعود الحصول على ما ليس له بحق أثناء ممارسة حياته اليومية يكون لديه استعداد ليصير فاسدا ومفسدا كأن يقدم على أفعال وسلوكات خارج بيته لا يفعلها داخله ،فيسرف على سبيل المثال في كل أنواع الاستهلاك إذا كان خارج بيته  في فندق أو مقهى أو مطعم أو إدارة أو مكان عمومي أو مكان خاص بغيره أو على متن وسيلة نقل عمومي أو حتى في  مسجد...، ويسرف أيضا كل الإسراف إذا كان غيره هو من يدفع ثمن الفواتير أو كان القطاع الذي يعمل به أو الإدارة أو المؤسسة أو الشركة ...هو من يدفع الثمن.

فقد تبدو بعض السلوكات  الصادرة عن بعض الأشخاص بسيطة لا يلقى لها بال لكنها في الحقيقة تكشف عن فساد الطوية لديهم كأن يسرفوا على سبيل المثال  لا الحصر  في استعمال مناديل النظافة في دورات المياه  في بيوت الغير أو في الفنادق أو يسرفوا في استعمال الماء في المساجد ، أو يسرفوا في استهلاك الكهرباء في مقر أعمالهم  ، أو يسرفوا في استهلاك وقود سيارات الإدارات أو الشركات ... وهو ما لا يفعلونه حين يكونون في بيوتهم أو على متن سياراتهم الخاصة ، أو تكون النفقات على حسابهم .

فمثل هؤلاء هم الذين تنشر عنهم أخبار ا الاختلاسات الفاحشة والمدوية لأنهم بدءوا مشوار الفساد بالإسراف في استعمال أشياء بسيطة  في غير بيوتهم وانتهوا إلى السطو على المال العام ، واللص الذي يسرق في بداية لصوصيته  بيضة  يسطو في النهاية على ميزانية .

ورحم الله الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز صاحب القنديلين الذي وفد عليه أحد ولاته أو قادة جنده ليلا ، فصار يسأله عن حال الرعية أو الجند في الجهة التي قدم منها ، وطال الحديث بينهما، وكان أمام الخليفة قنديلان يشعل مرة أحدهما ومرة الآخر ، فاسترعى ذلك انتباه الوالي أو القائد، فسأله عنه ، فأخبره أنه يستعمل قنديله الشخصي حين يتعلق الحديث به  شخصيا ،بينما يستعمل قنديل الأمة حين يتعلق الحديث بشؤونها .

فمن من المسؤولين اليوم يستعمل مصباحين في مقر عمله مصباح الأمة ومصباحه الشخصي ؟ ومن منهم يستعمل هاتفين هاتف الأمة وهاتفه الشخصي ؟ ومن منهم يستعمل سيارتين سيارته الشخصية وسيارة الأمة ؟.... وتستمر التساؤلات لتشمل كل ما يستعملونه دون تمييز بين استعمال من أجل الصالح العام وبين استعمال من أجل المصالح الشخصية  الخاصة .

ومعلوم أن كل استعمال خاص بالمصلحة العامة  يستغل في مصلحة خاصة يعتبر غلولا سيطوقه من غلّه يوم القيامة لقول الله تعالى : (( ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثم توفى كل نفس بما حسبت وهم لا يظلمون )).

إن أشقياء الآخرة، وأشد الخلق عذابا يوم القيامة هم أصحاب الغلول وأكلة السحت ، وما أكثرهم في هذا الزمان ، وقد تربوا على صغائر الفساد وانتهى بهم الأمر إلى كبائرها ثم لا يتوبون ولا هم يذّكرون .

وسوم: العدد 787