شهم ونشمي

رسالة المنبر ١٦/ ١١/ ٢٠١٨م

المحاور:

تتردد كثيراً على مسامعنا كلمة شهم وكلمة (نشمي) وبصرف النظر عن معناها في قواميس العرب إلا أنها أخذت مع الاستعمال لها معنى إيجابيا يحكي والرجولة وإغاثة الملهوف ونجدة المستغيث وإكرام الضيف.

هذه الكلمة ليست لفصيل أو جنس من البشر بشكل مطلق .. فلا يقال عن فلان شهم أو نشمي لمجرد أنه يسكن بلداً من البلاد أو ينتمي إلى عشيرة من العشائر، ففي كل بلد وعشيرة من النشامى الطيبين مثلما فيه من الأنذال الساقطين.

النشامى رجال أو نساء يفزعون للإغاثة والنجدة في لحظة فارقة ومواقف لا تحتمل التأخير.

النشامى يعرفون قدراتهم وطاقاتهم فلا يبخلون بها على المستغيث بهم، بل إنهم قد يمنحون الآخرين فوق ما يملكون ولو على حساب راحتهم وأرواحهم.

 ‏النشامى لا تهمهم المكافآت ولا يتطلعون للجوائز والعطايا والهبات، ولا ينتظرون شكراُ على ما يعتقدون أنه واجبهم.

النشامى يتحركون لسداد الثغور وملئ الفراغات دون تصدر للمجالس أو متابعة للإعلام.

‏النشامى في الغالب من فئة البسطاء المغمورين الذين يتدخلون في الوقت المناسب لصناعة شيء مناسب يشهد لهم أمام الله تعالى وأمام خلقه سبحانه بمروءتهم وشهامتهم، ومن مواقف الشهامة التي خلدها التاريخ:

١. شهامة النشمي مؤمن آل فرعون الذي كان مغمورا في آل فرعون لكنه انتفض في لحظة تاريخية فارقة حين شعر بتهديد فرعون اللعين لسيدنا موسى عليه السلام.

٢. شهامة مؤمن آل ياسين الذي رأى إعراض الناس عن الأنبياء فقام بواجب البلاغ المبين، وقد جاء من أقصى المدينة يسعى.

٣. شهامة الخضر عليه السلام وقد أقام الجدار دون أن ينتظر أجراً من أهل القرية البخيلة.

هذه بعض صور الشهامة في القرآن أما في السيرة النبوية فالمواقف كثيرة منها:

١. شهامة أبو بكر رضي الله عنه وهو يمنع الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: (اتقتلون رجلا أن يقول ربي الله).

٢. وشهامة عثمان رضي الله عنه وهو يجهز جيوش الإسلام، لا سيما جيش تبوك والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما ضر ابن عثمان ما فعل بعد ذلك.

٣. وشهامة حمزة رضي الله عنه وقد أدخلته تلك الشهامة في الإسلام حين انتصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم. 

لا ترتبط الشهامة بمستوى تدين الإنسان، وإن كان التدين هو العنوان الأكبر والدافع الأبرز لها .. فقد شهدت السيرة شهامة رجال من غير المسلمين كشهامة أبي طالب في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم .. وشهامة رجال لم يكونوا مسلمين لكنهم وقفوا إلى جانب الحق حمية لأهله، ومنهم عثمان بن طلحة الذي سهل عملية هجرة أم سلمة بعد تعسر أمر لحاقها بزوجها إلى المدينة المنورة .. وشهامة المطعم بن عدي الذي سهل دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة بعد عودته من الطائف حين منعته قريش من دخولها .. وشهامة المجموعة القرشية التي ساهمت في إيقاف حصار النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه في شعب أبي طالب .. وشهامة ابن الدغنة حين أدخل أبا بكر الصديق رضي الله عنه في جواره يوم رآه في طريق هجرته إلى الحبشة.

ومثلما أن للشهامة أركان فإن لها نواقض ومبطلات، ومن مبطلات الشهامة:

١. نذالة الذين يبيعون أمتهم وأوطانهم لأعدائهم مقابل أثمان رخيصة، ويعملون خدماً لأعداء الأمة كأمثال أبي رغال الذي سهل مهمة أبرهة الاشرم في دخول مكة.

٢. نذالة الذين يمثلون على الناس أدوار التدين من جهة أو التنوير والانفتاح من جهة أخرى وهم أبعد الناس عن التدين والتنوير.

٣. نذالة الذين يستغلون مواقعهم في ابتزاز الآخرين والتضييق عليهم وتحصيل الرشوة منهم.

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم النموذج الأعظم في الشهامة؛ فقد كان يجوع ليطعم الناس ويتعب ليرتاح الناس ويصبر على أذى قوم أراد لهم الخير فأرادوا به كيدا ومكرا وسوءا، ولقد فزع أهل المدينة ذات يوم من صوت غريب فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكان الصوت ثم رجع ليطمئن الناس ويقول: لن تراعوا .. لن تراعوا.

- ‏لقد قابل النبي صلى الله عليه وسلم شهامة الأنصار الذين احتضنوا أصحابه المهاجرين بشهامته العظيمة يوم فتح مكة وبعد حنين؛ حين دعا للانصار ثم قال لهم: المحيا محياكم والممات مماتكم .. أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير وترجعون أنتم برسول الله صلى الله عليه وسلم.

 الشهامة باقية لن تنقطع، فهذا حسن البنا رحمه الله يقول عن نفسه بأنه كان يتمثل بيت شعر يقول:

إذا قيل مَن فتىً

خلت أنني دعيت

فلم أقعد ولم أتبلد.

 وها نحن نرى شبابا ونساء يهبون لتلبية نداء الواجب إغاثة لإخوانهم المنكوبين في بلاد الله تعالى .. ولقد رأينا من بيننا من يزهق روحه لإنقاذ أطفال غرقوا في المجاري والسيول .. فرحمة الله تظللهم ونحسبهم من الشهداء ولا نزكيهم على الله تعالى. 

 وختاما الشهم والنشمي؛ تتنامى وتتعاظم لديه قيمة الشعور بالمسؤولية، لدرجة أنه يجد روحه تضيق حد الاختناق إن لم يكن يملك ما يقدمه ويبذله تلبية لنداء الواجب، كأمثال من خلد القرآن ذكرهم يوم تبوك وهم الذين: (تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون).

وسوم: العدد 799