تَحليقٌ في آفاق الاصطفاء المُحمَّدي

 إن كل ( بحور الشعر) لا تكفي للتعبير عن( بحور مكارم) المصطفى ، وكل مفرداتنا لا تكفي للتعبير عن ما تحمله جوانحنا من مشاعر الحب لهذا الرسول العظيم، الذي جمع أبعاد الرسالات فكان رحيقها، وختم النبوات فكان مِسكَها ، وانتشل أمّتنا من أسفل دركات الانحطاط ، واضعاً إياها في قِمَم التّرقّي وذُرَى الشُّموس.

 بميلاد محمد صلى الله عليه وسلم في الربيع؛ تَفتَّق ربيعُ الإنسانيه الزاهر ، فكان مولد الهُدى ومورد النّدى، وبدوحاته انتشرت (أفياء الظِّلال) وانزوى(حَرور الضَّلال)، وبشمس هدايته بزغت ( أشعّة الأنوار) وخنست (سُدَف الظلام)، وبرحمته اشتعلت (أشواق الحُبّ) واحترقت ( أشواك الكراهية)، واستطاع بحكمته البالغة أن يُوقِف (عواصفَ الاختلاف) ويُطلق العنان ( لعواطف الائتلاف).

 ولكي تتغير نظرة الغربيين السوداء لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتصبح نظرةً إيجابية ناصعة البياض، ليس أمامنا إﻻ أحد خيارين: إما أن يَتغيّروا هم فيقرؤوا سيرته بإنصاف ويصبحوا موضوعيين بحق، وإما أن نتغير نحن، فنصبح بسلوكياتنا الطيبة إعﻻنات جاذبة للناس إلى السيرة المحمدية العَطِرة، فأيهما أسهل وأولى؟

 ﻻ يكفي أن تكون يا مُحبّ المصطفى ذا (هُوِيّة إسﻻمية)، بل يجب أن يكون (هواك إسﻻمياً)، بهذا فقط تستطيع القضاء على اﻻنفصام القائم بين اﻷفكار واﻷفعال، وتجسير الهُوّة بين اﻷقوال واﻷعمال، وبذاك فإنك تستحق العيش الشريف تحت الراية الأحمدية.

 إذا افتقر عقلُك للفقه والعلم، وأقفَرَ قلبُك من الحُب والحلم، فماذا بقي معك لتحظى بشرف اﻻنتماء إلى فخْر البريّة محمد؟!

 ولكي تعود أمّة الإسلام إلى (حالة اﻻصطفاء) من جديد؛ ﻻبد لها أن تعود أوﻻً إلى اقتفاء (آثار المصطفى). 

 "كيف يُفلح قومٌ خَضّبوا وجْهَ نبيّهم بالدّم؟"، جملة قالها صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد عندما شَجَّ المشركون وجهَه وكسروا رباعيَّته، وفي هذا الزمان فإن كل دم يُريقه المسلمون بدون وجه حق من أي كائن، فإنهم إنما يُخضِّبون به وجه المصطفى، ويُلطِّخون رحمته البيضاء بلون الدّم القاني!!!

 إن (مناصرة) المصطفى ﻻ يجوز أبداً أن تكون ب(مناصبة) اﻵخرين العداء!!

 كلما كانت المتابعة المنهجية للنبي صلى الله عليه وسلم غائبة؛ فستتحوّل (عواطف) المسلمين نحوه إلى (عواصف) تُشوِّه صورته كلما أساء إليه اﻵخرون!!

 وكلما ابتعدنا عن اﻻدعاء اللفظي ومارسنا الدعوة العملي والجهاد الناعم؛ ستكون الصورة الناصعة للنبي محمد، أسرع في الوصول إلى عقول الناس في أقاصي اﻷرض!

 إذا لم نرتفع إلى أفق (المصطفى الرفيع)، فإن سفهاء الغرب سينزلون بصورته إلى (مستوانا الوضيع)!!

 جَهلوا قدْرَه فسَبُّوه ب(أحْبالهم الصوتية)، وعرف المسلمون قدره ومع ذلك أساء إليه بعضهم ب(حبائل أفعالهم) الشنيعة، فمن اﻷظلم واﻷجرم يا ترى؟!

 إن محمداً (مفخرةُ البشر)، فلنكن (فخْرَ اﻷمم)؛ حتى نكون جديرين بالانتساب إليه.

وسوم: العدد 799