فِتْنَةُ المُصْطَلَحَاتِ .. وَ هَرْطَقَةُ الغُلاةِ 9-14

د. حامد بن أحمد الرفاعي

فِتْنَةُ المُصْطَلَحَاتِ .. وَ هَرْطَقَةُ الغُلاةِ -9

(الحُكْمُ الرَشِيدُ – ج6)

نستكمل بهذه الرسالة بعضاً من جوانب الرؤية التي قَدّمَها رئيس المنتدى الإسلامي العالمي للحوار.. حول دلالات ومقاصد مصطلح (الحكم الرشيد) ومنها:

2. الحكم الرشيد : يسعى لاستئناف مسيرة حضاريَّة إنسانيَّة راشدةٍ .. من خلال تفعيل كفاءاتِ ومهاراتِ وإبداعاتِ المواطنين.. والاستفادة من كُلِّ إبداعاتِ ومهاراتِ ووسائلِ وآلياتِ الآخرين.. مما يُعزز احترامَ قُدسيَّةِ قيمِ الأعمدةِ السبعةِ الإنسانيَّة الساميَّةِ ..في البند (1) من هذه الرؤية.

3.الحكم الرشيد: يؤكد أنَّ النَّاس جميعاً أسرةٌ واحدةٌ، ربُّهم وخالقُهم واحدٌ، متساوون في الكرامة, والحقوق, والواجبات، وهم أمام العدل سواء لا تمايز بينهم بحال.

4.الحكم الرشيد : يعتمد تعددية انتماءات الشعوب الدينيَّة والقوميَّة والعرقيَّة والمذهبيَّة, ويعتمد تنوعَ أطيافهِا الفكريَّةِ والثقافيَّةِ والمعرفيَّةِ من أجل حفظ سيادة الأوطان واستقرارها وأمنها ووحدة أراضيها وتنمية مواردها.في إطار احتـرامَ قُدسيَّة قيم الأعمدة السبعةِ الإنسانيَّةِ الساميَّةِ التي وردت في البند(1) من هذه الرؤية.. وذلك لكون هذه الأعمدة هي المعيار الأساس والصحيح في تقرير جديَّةِ التزام وتحقيق مقاصد الحكم الرشيد في أي مجتمعٍ من المجتمعات.

5.الحكم الرشيد : ينظم مسؤوليات الرجل والمرأة عل أساس التكامل المنصف بينهما.. فَكُلٌّ منهما مسؤولٌ في البيت والمجتمع.. كلٌ حسبَ إمكاناته ومهاراته واختصاصه خصوصياته..وأنَّ المرأة تستحق التكريم والإجلال.. ومن حقها أن تتمتع بكامل استقلاليتها المالية، لأنَّها مصدر استمرارية البشريَّة، و منبت الحنان والرحمة, وصانعة مسؤوليات الأجيال في ميادين الحياة..وعلى الدول والمجتمعات حماية هذا الحق واحترامه.

7.الحكم الرشيد: تتكامل في نهجه مسؤوليات الفرد والمجتمع تجاه المواطنةِ القطريَّة والإقليميَّة والعالميَّة.. مثلما  تتكامل مسؤولياتهم تجاه الأمن الوطنيِّ والإقليميِّ والدوليِّ.

8.الحكم الرشيد: يسعى لإقامة تكاملٍ اقتصاديٍّ بين المجتمعات على أساس من: احترام حصانة حق التملك ومشروعية حق الانتفاع المتبادل من ثروات ومخزونات الأرض والكون.

9.الحكم الرشيد: يؤكد أنَّ مصالح الإنسان والمجتمعات وأمنها واستقرارها وسيادتها وتحقيق طموحا ت أجيالها في الحياة.. هي مدار مقاصد قوانين ومبادئ وآليات إدارة سياسة شؤون الأفراد والمجتمعات.. يتبع في الرسالة القادمة بعون الله تعالى

فِتْنَةُ المُصْطَلَحَاتِ .. و هَرْطَقَةُ الغُلاةِ -12

(البيعة -2)

تحدثنا في الرسالة السابقة عن عقد البيعة في نظام الإسلام.. وأنَّها تعاقد بين النَّاس على عقد اجتماعي يسيِّرون وفقه وعلى أساس منه أمور حياتهم وتحقيق مصالحهم ..فما هو العقد الاجتماعي ..؟ وماهي قيمه ومرتكزاته ..؟ وقلت في إحدى الرسائل أنَّ أحكام الشريعة الربَّانيَّة تدور في مقاصها في التحريم والتحليل مع مصلحة حياة الإنْسَان.. وأنَّ معيار صحة واستقامة أي عقد اجتماعي تكمن في تعزيز وإنجاز سبعة أعمدة إنسانيَّة ساميَّة هي:

1.    قُدسيَّةُ قيمِ الإيمانِ والعدلِ والأخلاقِ. 2.    قُدسيَّةُ حياةِ الإنْسَانِ.3.    قُدسيَّةُ كرامةِ الإنْسَانِ.4.    قُدسيَّةُ حُريَّةِ الإنْسَان.5.    قُدسيَّةُ مصالحِ الإنْسَانِ.6.    قُدسيَّةُ رسالةِ المرأةِ في الحيَاةِ.7.    سلامةُ البيئةِ بشقيَّها( الجغرافيِّ والاجتماعيِّ)

وأقدمُ ميثاق وعقد اجتماعي في التاريخ البشري هو ذاك الذي أُبرمَه رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بين مواطني دولة المدينة المنورة والمعروف في كتب التراث بمسمى (صحيفة المدينة)وجاء فيه:

1.    المواطنون على اختلاف انتماءاتهم أمة واحدة.2.    المسلمون من قريش ومن يثرب واليهود أمة واحدة.3.    وأنَّ الحرية الدينية مكفولة لكل مواطن.4.    المواطنون متضامنون ومتكافلون في الحرب والسلم .5.    وأنَّهم مسؤولون عن رد العدوان وحفظ سيادة الأوطان .6.    وأن عليهم النصح والبر، فيما ليس فيه إثم .7.    وأنَّ الجــــــار كالنفـــس فـــي أمنه وكرامته .

وبالمقابل فإنَّ أقدم وأعرق ميثاق للتعايش البشري العالمي هو ذاك الذي أعلن رسولنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أعمدته السبعة يوم عرفة في حجة الوداع وهي:

أيها النَّاس: إنَّ ربكم واحد. مؤكدا وحدة مصدر الإيمان. أيها النَّاس: إنَّ أباكم واحد .مؤكدًا وحدة الأخوة الإنسانية.  أيها النَّاس: إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام. مؤكدا قدسية حياة الإنسان وممتلكاته. أيها النَّاس: إنَّ الله قد حرم الربا. لإقامة نظام اقتصادي عالمي آمن. أيها النَّاس: استوصوا بالنساء خيراً. مؤكداً حرمة وكرامة المرأة. أيها النَّاس: إنَّ عدة الشهور اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم. مؤكداً السلام وسلامة البيئة. أيها النَّاس: إنَّ الله قد حرَّم الظلم على نفسه وجعله بينكم محرماً. مؤكداً رفض الظلم.

أجل هذه الأعمدة السبعة التي بشَّر بها رسول الهدى والرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من وراء أربعة عشر قرناً ونيف لتكون أساساً لميثاق عالمي  لإقامة تعايش عادل آمن بين المجتمعات البشريَّة. يتبع في الرسالة القادمة بعون الله تعالى

فِتْنَةُ المُصْطَلَحَاتِ .. و هَرْطَقَةُ الغُلاةِ -14

(البيعة -4)

أمورٌ لابد من التنويه عنها في سياق التحدث عن البيعة ألا وهي :

أنَّ الملك عبد العزيز - رحمه الله تعالى – هو أول من جدد وأحيا شعيرة (البيعة) بعد أن كانت معتمدة في عهد النبوة والعهود الراشدة من بعد رسولنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . حيث أُهملت وهجرت هذه الشعيرة الأساس في نظام الإسلام خلال العهود المتتالية في التاريخ الإسلامي .. هجرها ملوك بني أميَّة وكذلك ملوك بني العبَّاس مثلما هجرها سلاطينُ بني عثمان (العثمانيون).2. أنَّ المملكة العربيَّة السعوديَّة بعد مبادرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في تقنين البيَّعة.. هي أول نظام في حياة المسلمين الذي بادر وقنن شعيرة البيَّعة وسنَّ لها نظاماً كاملاً وجعل نظام البيعة جزء لا يتجزأ عن أنظمة الحكم الأخرى في نطاق النظام العام للمملكة العربيَّة السعودية.3.  أن المملكة العربيَّة السعوديَّة أول دولد في تاريخ العرب والمسلمين من اعتمد مسمى (العربية) جزء أساس من مسمى الدولة الرسمي فكانت (المَملَكةُ العربيَّةُ السعوديَّةُ).4. المملكة العربيَّة السعوديَّةُ أول من اعتمد شهادة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله ) عَلماً رسمياً لنظامها وسيادتها ورمزاً لنهج حكمها وسياستها.  البيعة في الإسلام :شعيرةٌ دينيّةٌ عَقديَّةٌ يقبل المسلم على أدائها عقيدة وديانة وتعبداً رغبة في تحيق طاعة الله ومرضاته وذلك لقول رسولنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم :" من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" ولقول الله تعالى : "إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِ ". البيعة في الإسلام مدى الحياة لا يفك عقدها إلا أمران:

v      عجز عن أداء مهام الدولة وتسيير مصالح النَّاس.

v      أو خروج عن طاعة الله وسوله والعقد الاجتماعي للأمة.

يتبع في الرسالة القادمة بعون الله

وسوم: العدد 802