فِتْنَةُ المُصْطَلَحَاتِ .. وَ هَرْطَقَةُ الغُلاةِ – 27

د. حامد بن أحمد الرفاعي

( الفِتْنَةُ وَالهَرْطَقَةُ -4)

أكملُ في هذه الرسالة حديثي عن كتاب الأبن والأخ والزميل العزيز الدكتور محمد حبش: (النبيِّ الديمقراطيِّ) لقد صدمت بالعنوان الذي جاء بصيغة التوحيد بين الربَّانيِّ المُقدس المعصوم وبين البشريِّ الخطاء الذي يؤخذ منه ويُرد.. وهو ما يَفتحُ أبواباً للجدل ما بين الربَّانيِّ والبشريِّ ..ويؤجج نيراناً أطفأناها منذ ما يزيد عن خمسة وأربعين عاماً وكانت ألسنتها مستعرة في أوساط أتباع أهل الأديان والثقافات والفلسفات وتثير بينهم العداوة والبغضاء والكراهية.. وتُوّجَ ذلك الإنجازُ النبيل بمصالحة ما بين الديني والدنيويِّ على إثر حوار بين قيادات مسلمة وأخرى كاثوليكيَّة في الفاتيكان وبحضور فخامة البابا يوحنا بولص الثاني عام 1992م.وقد قِيل لهم يومئذ: (نحن جئنا لأننا نرى أنَّ المسيرة البشريَّة في خطر.. وإسلامنا يأمرنا ويحفزنا لنعمل ما يمكن عمله مع غيرنا لتصحيح المسيرة وترشيدها لتكون مسيرة:(عدل ،وأمن ،وسلام، ومودة، تُعزُ بها قُدسيَّة حياة الإنسان وكرامته وحريته ومصالحه وتُصان معا سلامة البيئة ويتحقق تعايش راشد بين المجتمعات.. فهل لديكم استعداد للتعاون في تحقيق هذه الغايات الإنسانيَّة الجليلة..؟ فأومأ قداسة البابا برأسه بالإيجاب.. ووقعنا ميثاقاً لتحقيق ذلك لا يزال سارياً حتى اليوم) راجع كتاب :(مسيرة الحوار في التاريخ المعاصر وهو متاح مجاناً). أما كتاب (النبيِّ الديمقراطيِّ) فبعد أن تصفحته ووقفت عند بعض ما جاء فيه فكم كانت الصدمة شديدة عندما وجدت أنَّ العنوان بواد ومضمون الكتاب يسبح في وادي غيره فلا علاقة بينهما.. ومما صدمني أكثر استخدام المؤلف لعبارات (الكفاح والنضال) وهو يتحدث عن مسيرة رسولنا الأعظم سيدنا محمد  صلى الله عليه وسلم وهي من مفردات الحروب والقتال التي يمقتها الإسلام وتفرد القرآن الكريم باستخدام مصطلح :(الجهاد) وهو مما لم تعرفه الثقافات البشريَّة قبل الإسلام قط.. والقتال وسيلة ورخصة استثنائيَّة مكروهة من وسائل الجهاد يبررها رد العدوان والبغي.. وهي مما ينبغي أن تزول فورا بزوال مبرراتها لقوله تعالى:" فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ" راجع إن شئت كتاب : (شركاء لا أوصياء وهو متاح مجاناً) ومما صدمني وآلمني استخدام المؤلف عبارة(المجاز) مستدركاً بها على محكم أقوال الله تباركت وتعالت أسماؤه وصفاته مما جاء في القرآن الكريم من أوصاف بحق النصارى واليهود.. مؤولاً لهم ما يرددن من ألفاظٍ  وصفها القرآن الكريم بالكفر قائلاً: (إنَّما يقولونها من باب المجاز والحقيقة أَّنَّهم موحدون غيرُ مشركين)؟!. وهذا مما لا يليق أن يصدر عن أهل الٌقرآن الكريم  فهو انتهاكٌ شنيعٌ لجلال قُدسيَّة أقوال الله تعالى .. وحسبننا وحسب المؤلف أن نتنزه عن الخوض في خصوصيات الذات الإلهيَّة سبحانه.. والكف عن الجدليَّة المقيتة بما حسمه جلَّ جلاله بقوله: " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ". يتبع بعون الله تعالى

وسوم: العدد 804