خَيْريَّةُ أمَةِ القُرآنِ -2

د. حامد بن أحمد الرفاعي

 

إنَّ خَيْريَّةَ أمةِ القرآنِ .. لا تُلغي ولا تَنفي الخَيْريَّةَ عن الأمم الأخرى.. بل تتكامل وتتنافس مع غيرها من الأمم في تفعيل أداء نزعة الخير التي صبغَ الله تعالى بها الخلائق كُلَّها .. أما أنَّ رَبَّ أمة القرآنِ جلَّ جلاله قد شرَّفَها فبوأها مواقع الأفضليَّة في الخيريَّة بين الأمم.. فذلك لأنَّه أهلَّها سبحانه لِتحملَ أكملَ وأتّمَ ما جاءت به كتبه .. وأكملَّ وأتَّمَ ما أرسل به رُسلَه للنَّاس كافة صلوات الله عليهم وسلامه .. ورسولُنا سيدُنا محمد صلى الله عليه وسلم يُؤكدُ ذلك ويُجلِّيه بقوله : " إنَّ مَثَلي ومثلَ الأنبياء منْ قَبلي، كَمَثَلِ رجلٍ بنى بَيْتًا، فأحْسَنَهُ وأجْمَلَهُ، إلا مَوْضعَ لَبِنَةٍ من زاوية، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفونَ بِهِ، ويَعْجَبونَ له، ويقُولونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هذه اللَّبِنَة؟!))، قال: فأنا اللَّبِنَة، وأنا خاتمُ النَّبيِّينَ" وقال صلى الله عليه وسلم : " إنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَاِرَم الأخْلاقِ". أجل إنَّ رَبَّ أمة القرآن ورَبَّ النَّاسِ جميعاً اقتضت إرادته ومشيئتُه سبحانه: أنْ يُؤهلها ويُعدها لتكونَ الأنموذج والمعيار الحضاريِّ الأكمل والأرشد لإنجاز مهمة الاستخلاف في الأرض .. ورسم للنَّاس جميعاً سبحانه منهجاً ليسيروا على هدى من رَبِّهم فيما يَعملون وفيما يَصنعون .. ومنهج الاستخلاف الربَّانيِّ في الأرض وفق ما جاء من قيمٍ وتعاليمٍ في كنوزِ القرآن الكريم والسنَّةِ المطهر .. ووفق ما جاء من قيم ومبادئ في كُلِّ كُتب الله تعالى وما نطق به وعمل به جميعُ أنبيائِه ورُسلِه.. يَقومُ على مُرتكزين اثنين :

مرتكزُ روحانيات وعلم وهداية وأخلاق وسلوكيات.. يحيط بها قوله تعالى :"فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ ". ومرتكز ماديِّات ووسائل وتَقنيَّات ومهارات وابتكارات وإبداع.. وهذا كله مُتَضَمنٌ في قول الله تعالى : " فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ". أجل .. إنَّ منهج الاستخلاف للنَّاس كافة وبلا استثناء قوامه أمران: العلم والمشي.. فالعلم بدون مشي زينة وزخرف ..والمشي بدون علم تخبط وضلال .. والسير الحضاريَّ الراشد يكون بالتكامل بين العلم والمشي .. والتحضر الآمن يكون مع التكامل والتلازم بين العلم والمشي والأخلاق ..وَرَبُّ النَّاس يقول للنَّاس : " أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْهِهِ أهدى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ".

وسوم: العدد 806