حقوق الإنسان بين الشريعة والقانون الحلقة الثانية

 مقارنة حقوق المرأة بين الإسلام والقوانين الوضعية

بسم الله الرحمن الرحيم (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب).

حلقتنا اليوم تدور عن حقوق المرأة في القوانين الوضعية مقارنة مع حقوقها في الشريعة الإسلامية، لنتلمس البون الشاسع بين ما سنه الله سبحانه وتعالى من قوانين أنصفت المرأة وأعزتها، وبين ما وضعه البشر ونادوا به ليجعلوا من تحرير المرأة تجارة طالت عفة المرأة وكيانها وأنوثتها وأمومتها.

لقد نالت المرأة في ظل الإسلام كرامة لا تجارى، وبلغت بشرائعه شأواً عظيماً، فقد أقر لها منزلة عالية، فهي أم لها حق البر والإحسان، وهي زوجة لها حق المعاشرة بالمعروف، وهي ابنة لها حق التربية والنفقة.

كما أرسى الإسلام حقوق المرأة التي لا تخفى على أساس الدين والفضيلة والخلق القويم، فعز مقامها وعلت منزلتها.

ومن هنا حق للمرأة المسلمة أن تشعر بالعزة لجلال التشريع الرباني الذي منحها حقوقها منذ أربعة عشر قرنا بلغت به مرتبة العفاف والطهر.

في حين أن الحضارة المادية المعاصرة المزعومة أدخلت المرأة المجتمع بطريقة مريبة، فبدلاً من أن تحصّن أنوثتها ضد العبث، تعمّدت إطلاق الجانب الحيواني في البشر وجعلت من أنوثة المرأة فتنة تبعثر الإثم في كل مكان، فأخرجوها من البيت باسم الحرية والتحرر، خلعوا عنها حجابها وكشفوا عن موطن الزينة والفتنة منها، تركوها تختلط، بل أرغموها على الاختلاط بالرجال والخلوة بهم فقضوا بذلك على عفتها وكرامتها وحياتها باسم الحرية والتحرر، وقضوا على رسالتها الأساسية وهي الزوجية والأمومة، أخذوا منها كل شيء باسم الحرية ولم يعطوها إلا أقل القليل.

المرأة في ظل الحضارة المزعومة تتألم وتئن، فمع تحملها ظلم الرجل وصعوبة الحياة تحمل على أكتافها طفلاً حرم حنان الأبوة، ثم هي تستغل في الدعاية للسلع والمنتجات، فهي تعيش حرية جوفاء لا مضمون لها ولا ضابط يجلي حدودها، حرية يفسرها كل قوم حسب أهوائهم.

أما الحرية في الإسلام فهي مستمدة من العبودية المطلقة لله وحده، وإذا استشعر الإنسان هذه العبودية تحرر من كل عبودية سواها.. حرية قاعدتها طاعة الزوج والولي وإقرار بشرعية قوامته. حرية تجعل المرأة تتدفق حياء وتشرق طهراً.. حرية ميدانها الفسيح اللبنة الأساس في المجتمع. الأسرة ترعى شؤونها تربي صغارها تفيض عليها سكينة ومودة ورحمة. والسياج الآمن للحرية حجاب شرعي يستر مفاتن المرأة ويقضي على مسارب الشيطان في النفس والمجتمع.

إن دعاة تحرير المرأة بالمساواة بين الرجل والمرأة، حيث يوهمون المرأة بأن ذلك من حقوقها وتكريماً لها والحقيقة أنه ظلم لها وعدوان على حقوقها.

وقد أثبتت البحوث العلمية أن المرأة تختلف عن الرجل في بنائها الجسدي وتكوينها الجسماني، هكذا كونها الخالق المبدع بما يلائم وظيفتها الفطرية وطبيعتها الأنثوية، وبمساواتهم المرأة بالرجل في الأعباء والحقوق حمّلوها أكثر مما حمّلوا الرجل، فمع ما خصصت له المرأة من الحمل والولادة والإرضاع وتربية الأطفال، ومع ما تتعرض له في حياتها وما تعانيه من آلام الحيض والحمل والولادة، مع قيامها على تنشئة أطفالها ورعاية البيت والأسرة مع تحملها لهذا كله يحمّلونها زيادة على ذلك مثل ما يحمّل الرجل، فكيف تحمل التزاماتها الفطرية ثم تخرج من البيت كالرجل لتعاني مشقة الكسب وتكون معه عل قدم المساواة في القيام بأعمال الصناعة والمهن والتجارة والأمن.

ليس محرماً في الإسلام أن تعمل المرأة في وظائف مناسبة وفي ظروف خاصة، لكن على أساس أن عملها الجليل العتيد أن تكون ربة بيت وسيدة أسرة، وأن يكون جو العمل نقياً. لكن وظيفة المرأة في الإسلام أكبر وأعظم وأجل وأسمى. إن إفقار البيوت من النساء ليزاحمن الرجال في أعمالهم هو إضرار بالرجال وتقليص لفرص عملهم ولا ربح هناك إلا انهيار روابط الأسرة والسماح بالفوضى الخلقية.

جاء في المادة (16) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

للرجل والمرأة، متى أدركا سن البلوغ، حق التزوج وتأسيس أسرة، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين. وهما متساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.

لا يعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءً كاملاً لا إكراه فيه.

الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة.

وتؤكد هذه المادة على السبق الحضاري للإسلام حين رفع من شأن المرأة، وأمر بالمحافظة على كرامتها وآدميتها، وجعلها في مرتبة لا تقل سمواً عن الرجل. مقارنة بين مكانة المرأة في الحضارات التي سبقت الإسلام وعاصرت بزوغه، وفي الحضارة الإسلامية، حيث يلمس أي عاقل منصف البون الشاسع بين تلك الحضارات والحضارة الإسلامية.

وللأنصاف لابد لنا من أن نميز بين الحضارة المصرية القديمة والحضارات الأخرى التي عاصرتها، فقد كانت الحضارة المصرية هي الوحيدة التي جعلت للمرأة مركزاً شرعياً تعترف به الدولة والأمة، وتنال بموجبه حقوقاً في الأسرة والمجتمع تشبه - إلى حد ما - حقوق الرجل فيها.

أما المرأة في الحضارات الأخرى فلم تكن لها أي ميزة عن باقي المخلوقات التي تأتي في الدرجة الثانية بعد الإنسان، وإذا ما كانت تنال بعض المحبة من بنيها فذلك يعود إلى عاطفة الأمومة التي يحسها الأبناء نحو أمهاتهم. وقد يبدو هذا الإحساس في الحيوان العجم.

وربما نالت المرأة بعض الاهتمام في عصور الترف والبذخ التي كانت تنتهي إليها الحضارات الكبرى، ولم يكن هذا الاهتمام تماشياً مع تقدمها الحضاري وتطورها المدني، بل كان مطلباً من مطالب المتعة والوجاهة الاجتماعية، وقد نالت هذا الحظ من الاهتمام في أوج الحضارة الرومانية مع بقائها قانوناً وعرفاً في منزلة تقارب منزلة الرقيق من وجهة الحقوق الشرعية والنظرة الدينية (وكانت القيان والجواري الطليقات ينلن من ذلك الاهتمام أضعاف ما تناله حرائر النساء من الأزواج والأقرباء، ووضح هذا الفارق في المعاملة بين الحرائر والجواري والطليقات وأشباههن من نسوة الأندية ودور الملاهي في كل حاضرة آهلة بهن من حواضر اليونان والرومان والبلدان الشرقية).

أما في شريعة (مانو) في الهند فإنه لم يكن يعرف للمرأة حقاً مستقلاً عن حق أبيها أو زوجها أو ولدها في حالة وفاة الأب والزوج، فإذا انقطع هؤلاء جميعاً وجب أن تنتمي إلى رجل من أقارب زوجها في النسب ولم تستقل بأمر نفسها في أي حالة من الأحوال. وأشد من نكران حقها في معاملات المعيشة نكران حقها في الحياة المستقلة عن حياة الزوج، فإنها تقضي عليها بأن تموت يوم موت زوجها، وأن تحرق معه على موقد واحد. وقد دامت هذه العادة حتى أبطلها الإنجليز قسراً).

أما شريعة حمورابي التي سادت في بابل فقد كانت تعتبر المرأة في عداد الماشية المملوكة. وكانت هذه الشريعة في أقصى مداها في تكريم الأنثى، أنها كانت تفرض على من قتل بنتا لرجل آخر أن يسلمه بنته ليقتلها أو يملكها إذا شاء أن يعفو عنها، وقد يضطر إلى قتلها لينفذ حكم الشريعة المنصوص عليها.

أما المرأة عند قدماء اليونان فكانت مسلوبة الحرية والمكانة (وكانت تحل في المنازل الكبيرة محلا منفصلا عن الطريق، قليل النوافذ محروس الأبواب، واشتهرت أندية الغواني في الحواضر اليونانية لإهمال الزوجات وأمهات البيوت وندرة السماح لهن بمصاحبة الرجال في الأندية والمحافل المهذبة، وخلت مجالس الفلاسفة من جنس المرأة، ولم يشتهر منهن امرأة نابهة، إلى جانب الشهيرات من الغواني أو من الجواري الطليقات. وقد كان أرسطو يعيب على أهل (اسبرطة) أنهم يتساهلون مع نساء عشيرتهم، ويمنحونهن من حقوق الوراثة والبائنة وحقوق الحرية والظهور ما يفوق أقدارهن، ويعزو سقوط اسبرطة واضمحلالها إلى هذه الحرية وهذا الإسراف في الحقوق.

ومذهب الرومان الأقدمين شبيهاً بمذهب الهنود الأقدمين في الحكم على المرأة بالقصور حيث كانت لها علاقة بالآباء أو الأزواج أو الأبناء، وشعارهم الذي تداولوه إبان حضارتهم أن قيد المرأة لا ينزع، ونيرها لا يخلع. ومن ذلك قول (كاتو) المشهور.

ولم تتحرر المرأة الرومانية من هذه القيود إلا يوم أن تحرر منها الأرقاء على أثر التمرد ثورة بعد ثورة وعصياناً بعد عصيان.

وسوم: العدد 808