صفحات مجهولة من تاريخ العلاقات السورية الأمريكية 5

أمريكا تضع سورية في دائرة (نظرية دالاس)

الحلقة الخامسة

بعد سقوط الشيشكلي ازداد النشاط الشيوعي في سورية، لذلك قررت الولايات المتحدة تنفيذ نظرية (دالاس) على سورية، تلك النظرية التي تتعلق بمفهوم الحزام الاستراتيجي الجنوبي ومؤداه : (فصل مسؤولية الدفاع الإقليمي عن مسألة الصراع الإسرائيلي أو الصراعات العربية العربية، من خلال مفهوم الردع الشامل عبر قواعد إقليمية هامة، يشن منها الهجوم على مراكز القوة السوفيتية مع التعاون مع القواعد الإقليمية ضد هذه القواعد)، مما حدا بالأحزاب اليسارية والشيوعية إلى زيادة نفوذها من خلال ادعائها بأن الولايات المتحدة تدعم اليمين المحافظ الممثل بحزب الشعب ذي الأغلبية البرلمانية، وتشويه صورته وصورة الحزب الوطني، خاصة بعد سقوط نظام محمد مصدق في إيران عام 1953م ومقتله على يد الانقلابيين، من خلال الجنرال زاهدي، إضافة إلى انقلاب غواتمالا، وكلا الانقلابين، إيران وغواتمالا كانا بفعل المخابرات الأمريكية، وهذا أدى لزيادة قوة اليسار في المؤسسات السورية وخاصة المؤسسة العسكرية رغم أن اليمين ظل صاحب الشارع وصاحب الأغلبية في كل شيء يتعلق بالحياة السياسية السورية، لكن هذه الأغلبية ظلت أغلبية مجزأة ومفككة وغير منتظمة بعكس المعارضة اليسارية التي تتسم بالدقة والتنظيم الجيد، لذلك عملت الولايات المتحدة على الدخول في بعض المؤامرات الانقلابية تمهيداً لجر سورية إلى الوحدة مع مصر، كون مصر مخترقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وتكون فائدة الولايات المتحدة من ذلك ابتعاد سورية عن العراق أولاً والشيوعية ثانياً، لذلك عملت على اللعب بعدة أوراق فكانت تلعب مع المعارضة اليمينية من جهة، وتلعب مع القوى اليسارية القومية من جهة أخرى، وما يؤكد ذلك أن جميع محاولاتها الانقلابية سواءً التي دخلت فيها بمفردها أو مع دول أخرى لإسقاط النظام، وإقامة حكم موال لها بشكل ظاهري وواضح، باءت بالفشل، كما أن الوحدة بين سورية ومصر، حققت لها القضاء على الشيوعية في الدول المجاورة لسورية، إضافة لسورية نفسها، لذلك عملت الولايات المتحدة على تأكيد الدور المصري المعادي لبريطانيا وفرنسا في المنطقة، كما ضغطت اقتصادياً وتموينياً (النفط) على بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، لوقف العدوان الثلاثي على مصر في آب عام 1956م، وأكد على دورها في ذلك الرئيس جمال عبد الناصر بقوله: (إن الولايات المتحدة تبقى الصديق الوحيد لمصر بعد اشتراك فرنسا وبريطانيا في العدوان)، خاصة أن الولايات المتحدة كان لها الدور الأكبر في سقوط عرش الملك فاروق، وأن السفير الأمريكي هو الذي نصح الملك فاروق بالاستسلام على أساس تخوفه أن يسقط الحكم المصري بيد الإخوان المسلمين أو الشيوعيين، وهما القوتان الوحيدتان اللتان لم تتمكن الولايات المتحدة من اختراقهما. ومما أثار اليسار السوري أن الولايات المتحدة بعثت إلى سورية في حزيران عام 1954م برئيس المخابرات العسكرية الأمريكية الجنرال (تروده)، مما حذا باليسار إلى المطالبة بتغيير وزير الدفاع معروف الدواليبي والضغط على الرئيس هاشم الأتاسي لرفض المساعدات الأجنبية، وضرورة رفع المستوى المعيشي، وتحقيق إصلاحات ديمقراطية، ويبرز التناقض في هذه الآراء أنه لا يمكن رفع المستوى المعيشي إن لم تقبل المساعدات الأمريكية، وهنا يتبين دور اليسار في تحقيق الاستراتيجية الأمريكية بشكل غير مباشر، وبالفعل أدى ذلك لسقوط الحكومة في حزيران عام 1954م، فكانت بعض المحاولات الانقلابية التي تدخلت فيها الولايات المتحدة وأفشلتها في نفس الوقت، باعتبار أن عندها عملاء في الطرفين، (المعارضة والحكومة)، في نفس الوقت، بالرغم من دعوة السفير الأمريكي في دمشق على الدوام، بوضع حد للنشاط الشيوعي في سورية، الذي كان يؤيده اليسار القومي بشكل ظاهري.

يتبع.....

وسوم: العدد 812