سورية بين نظام سادي وثورة شعب 23

(كوهين يعود بعد إجازة أمضاها في ربوع إسرائيل

مُستقبلاً من علية رجال الحكم في دمشق)

الحلقة الثالثة والعشرون

عاد كوهين بعد إجازته إلى دمشق ليتابع نشاطه التجسسي.. فوسع من علاقاته ونشاطاته وجعل شقته الفاخرة ملتقى للفاحشة والرذيلة لأصدقائه من (عِلية رجال الحكم). وذات يوم اعتزم السفر في رحلة عمل إلى أوروبا.. فسأله الكولونيل (صلاح الضلي) - رئيس المحكمة العسكرية - إن كان بوسعه ترك مفاتيح شقته من بعده.. ووافق إيلي على ذلك في الحال. أيضاً كان ينزل صديقه جورج سيف مع سكرتيرته كثيراً في شقته.. وفي مقابل ذلك جعل سيف مكتبه بيت إيلي الثاني حيث الأسرار والوثائق الرسمية يقلبها كوهين ويصورها بكل حرية وطمأنينة.

رافق كوهين صديقه اللفتنانت معز زهر الدين في زيارة إلى الجبهة السورية - الإسرائيلية.. وتعرف عن كثب على التحصينات العسكرية السورية في مرتفعات الجولان.

وفي إحدى المرات وعده صديقه (سامي الجندي) - وزير الإعلام السوري - أن يصطحبه إلى مكتب رئيس الجمهورية الفريق (أمين الحافظ).

وعندما وصل إيلي برفقة سامي الجندي وزير الإعلام.. حياه الرئيس أمين الحافظ بحرارة.. وكان الحافظ يكن تعاطفاً خاصاً لابن وطنه وصديقه الشاب الذي تخلى عن أعماله الناجحة في أمريكا الجنوبية ليمد يد العون إلى بلده في فترة من فترات الاضطراب السياسي والاقتصادي. وألحَّ الرئيس أن يقوم مصوره الخاص بالتقاط صورة لهما معاً. ولما فرغ المصور من عمله.. طلب إيلي منه نسخة للصورة التي التقطها.. واستدار نحو الرئيس أمين الحافظ وقال: سأحرص على هذا الذخر الثمين ما حييت.

ذهب كوهين مرة مع أحد المسؤولين إلى المناطق العسكرية القريبة من القنيطرة(1) وشاهد مخططات مشروع تحصينات دفاعية.. والذي يتضمن جزءاً من مشروع تحويل المياه من (نهر الأردن) الذي كانت إسرائيل تقوم بتحويله إلى النقب. وقد عرض على المقاول الذي يقوم بالتنفيذ مشاركته في العمل(2).

وشجع هذا الحافز المقاول فسمح للزائر المعروف.. بأخذ مخطط المشروع معه إلى البيت.. ليتمكن من دراسته في أوقات فراغه.. وتحديد أفضل مواقع المنطقة استثماراً.. وقام إيلي بتصوير أحدث ما قع في يده من أوراق.. وفي خلال ثلاثة أشهر بعث إلى قيادة الموساد بمعلومات وافية عن المشروع.

وتكريماً لكوهين على ما يقدم من معلومات استدعاه الموساد لقضاء إجازة هي الثالثة من نوعها في إسرائيل.. وكان قد مضى عليه دون مشاهدة عائلته أكثر من سنة. وشارك هذه المرة إيلي أسرته في الاحتفال بمولد طفله الثالث وهو (شاؤول).

وعد كوهين لزوجته الذي لم يتمكن من تحقيقه

وعاد إيلي إلى سورية مرة أخرى بعد أن وعد زوجته بأن هذه آخر مرة يغيب عنها وأنه قرر العودة إلى إسرائيل نهائياً. ولكن شاء الله أن لا يعود الجاسوس الإسرائيلي من سفرته هذه أبداً.

ففي إحدى ليالي شهر كانون ثاني 1965م.. وبعد أن فرغ إيلي من إرسال تقرير تضمن معلومات تلقاها من صديقه (سليم حاطوم) ومفادها أن الرئيس أمين الحافظ قرر في اجتماع عقده مع رؤساء أجهزة المخابرات السورية تطوير خطة منظمة فلسطينية واحدة تبدأ الكفاح المسلح.. ويتم تدريب رجالها في قاعدة للجيش السوري سراً.

ولمح إيلي ساعته التي كانت تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل.. وأدار مفتاح جهاز الإرسال إلى النقطة الدقيقة التي تصله منه إشارات قيادة الموساد بوضوح تام كما اعتاد أن يفعل.

وفجأة سمع طرقاً عنيفاً على الباب. وقبل أن يجد وقتاً للتصرف تحطم خشب الباب الصلب.. واقتحم الغرفة ثمانية رجال مسلحين.. شهروا مسدساتهم.. وكانوا يلبسون زياً مدنياً. وفي حين غطى كامل جهاز البث بدون وعي كان رجلان يصوبان مسدسيهما إلى رأسه وصاحا به: لا تتحرك.

واندفع رجل يلبس بزة عسكرية صوب الفراش.. وعرفه إيلي في الحال.. إنه الكولونيل (أحمد سويداني) رئيس شعبة الاستخبارات السورية.

-المراجع-

1-زار كوهين الذي كان يعرف بـ(كامل أمين ثابت) القطاع الشمالي من مرتفعات الجولان بصحبة رئيس الجمهورية الفريق أمين الحافظ والفريق المصري علي علي عامر قائد الجيوش العربية والعقيد صلاح جديد أواخر عام 1964م، وكنت في حينها أقوم بأداء خدمة العلم في نقطة (تل زعورة) من القطاع حيث تمت الزيارة، وقد شاهدته وكان يقف إلى جانب العقيد صلاح جديد وهو يطل على المستعمرات الصهيونية التي كانت تشكل بساطاً سندسياً تحف به المروج الخضراء ونوافير المياه والمسابح التي كان يلهو بها الجنود والمجندات الإسرائيليات، (الكاتب).

2-المهندس أكرم البقاعي.

وسوم: العدد 812