هل أمريكا دولة متفككة وفي طريقها إلى الانهيار؟!

واقع الحال وما يصدر عن مسؤولي الولايات المتحدة الأمريكية غير المتوافقة وغير المتجانسة؛ تنبئ بأن هذه الدولة العظيمة بقوتها العسكرية وقوتها الاقتصادية وقوتها التكنولوجية المتطورة وقوة إعلامها؛ هي في انحدار سريع نحو الهاوية ووصولها إلى القاع بات مسألة وقت، أرجو أن لا يسخر من قولي البعض لأن سنن الحياة تقول أن الدول كالإنسان والحيوان والشجر يمر في مراحل متعددة حتى إذا ما وصل إلى الهرم والشيخوخة زوى ثم هوى فمات، فمن منا كان يفكر للحظة واحدة أن الاتحاد السوفياتي بكل جبروته وقوته وعنفوانه يتفكك وينقرض ليصبح من الماضي، وبالأمس وقف أحد زعمائه (خرتشوف) بكل غرور في قاعة الأمم المتحدة يضرب بحذائه على الطاولة ثم نبش قبره ولا يعرف مصير بدنه في أي حفرة طمر.

أنا لا أقول ما أقول من فراغ؛ فلو تتبعنا واقع أمريكا الآن لوجدنا في حالها العجب العجاب، فقد اختلط الحابل بالنابل فالسياسي فيها ينظّر ويتحدث في الشؤون العسكرية، والعسكري يرسم لها السياسة الخارجية، والاقتصادي يتحدث في الشؤون الاجتماعية، ووزير العدل يدس أنفه في عمليات البورصة، والكونجرس يتجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية ويصفعه على قفاه، والرئيس يندب حظه العسر لأنه لا يملك من أمره شيء.

ولعل من مؤشرات هذا الانهيار اختيار الشعب الأمريكي للمهرج ترنب ليكون رئيساً لأعظم دولة في العالم، وكل مؤسسات الدولة تقف في مواجهته ومواجهة قراراته العفوية وغير المتوازنة، بل والمتناقضة مع مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.

ما دفعني إلى كل ما أخمن وأتنبأ هو العودة إلى تصريحات مدير "وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية" (جون برينان) يوم الجمعة 12 شباط 2015 التي قال فيها:  

"أن الولايات المتحدة لا تريد انهيار الحكومة السورية والمؤسسات التابعة لها، لأن من شأن هذا الأمر أن يخلي الساحة للجماعات الإسلامية المتطرفة، ولا سيما تنظيم الدولة الاسلامية".

وقال برينان أمام مركز أبحاث مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، ان "لا أحد منا، لا روسيا ولا الولايات المتحدة ولا التحالف (ضد تنظيم الدولة الاسلامية)، ولا دول المنطقة، يريد انهيار الحكومة والمؤسسات السياسية في دمشق".

واضاف إن "عناصر متطرفة بينها تنظيم الدولة الاسلامية، وناشطون سابقون في تنظيم القاعدة، هم في مرحلة صعود في بعض مناطق سورية حالياً".

وقبل ذلك إهانة الكونجرس الأمريكي للرئيس الأمريكي أوباما عندما وجه دعوة لكبير الإرهابيين في العالم نتنياهو رئيس وزراء الدولة العبرية ليلقي خطاباً أمام أعضاء الكونجرس من خلف الرئيس الأمريكي الذي أصيب بمرارة وخيبة أمل كبيرتين، وهو يرى على شاشات التلفزة الأمريكية والعالمية نتنياهو، وهو يخطب في قاعة الكونجرس في العاصمة الأمريكية من وراء ظهره دون استشارته أو علمه.

نعود للسيد جون برينان رئيس المخابرات المركزية الأمريكية وإلى تصريحاته وهو يرسم سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية متجاوزاً السيد وزير الخارجية كيري الذي لم نسمع منه أي رد على برينان ولسان حاله يقول: وعند برينان الخبر اليقين (عذراً من جهينة).

لقد تعودنا نحن الدول المتخلفة أن الحكم في بلداننا هو حقيقة بيد رجال الأمن وفروعه، وما رجال السياسة والاقتصاد والقضاء والاجتماع والمال والإعلام إلا ديكورات أراكوزية تحركها هذه الأجهزة من وراء الكواليس، ولكن أن تكون المخابرات المركزية الأمريكية هي من تدير سياسة أمريكا وفي العلن وعلى المكشوف يا تاجر، فهذا أمر مخزي لقائدة الدول الديمقراطية في العالم، والتي تتبجح ليل نهار بأنها حامية الديمقراطية في العالم وراعية حقوق الإنسان.

برينان يثبت في تصريحاته أنه لا يعلم من أمر واقع سورية شيء بعد أربع سنوات من القتل والدمار والنزوح والتهجير، ويذرف الدموع خوفاً على سقوط النظام الذي فعل كل ذلك بشعبه وببلده، حتى لا يحدث سقوطه فراغ (قد) تملأه عناصر متطرفة صاعدة في بعض المناطق السورية.. برينان هذا يثبت أنه جاهل بالحال التي وصلت إليه سورية.. فسورية اليوم لم يعد يحكمها نظام أو تديرها مؤسسات أو أجهزة فكل ذلك أصبح من الماضي البغيض.. فسورية اليوم في ثورة شعبية (بغض النظر عن العوار الذي أصابها هنا أو هناك وتراجعها وانحسار نفوذها وتقليص المساحة التي بسطت نفوذها عليها ولأسباب يعرفها القاصي والداني).

أما بالنسبة للنظام الذي يخشى برينان من سقوطه فهو محاصر في قصر الرئاسة في حي المهاجرين وأن أبعد نقطة وصل إليها خارج القصر هي حي القصاع الذي يبعد عن القصر الجمهوري سبعة كيلو مترات، أما قواته المنتشرة هنا وهناك من الأراضي السورية فهي لم تعد العبد المطيع للرئيس الحيوان، بل معظمها تمرد عليه ويعلن ذلك صراحة كحال العقيد النمر سهيل الحسن، والذي يعلن ولاءه لموسكو صراحة.

كلمة أخيرة لبرينان ولمن جاء بعده: "إن كنتم تعرفون ما يجري في سورية من قتل وتدمير وتهجير وتسكتون عليه وأنتم الذين تعاقبتم على رئاسة مخابرات أكبر دولة في العالم فتلك مصيبة، وإن كنتم لا تدرون بما يجري في سورية فإن المصيبة أعظم وتستحقون على جهلكم المحاكمة بتهمة سوق أمريكا إلى ضمورها ونهايتها المحتومة لتلحق بالاتحاد السوفييتي المقبور، وما ذلك على الله بعزيز.

وسوم: العدد 813