الأنْسَنَةُ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

العُولَمةُ أو " العَلممةُ " أو" الكونَنَةُ " والأدق من ذلك كله والأعمق دلالة "الأنْسَنَةُ" بمعني تَعْميمُ خيريِّة أمرٍ مَا وجعلُه إنسانيِّ وعالميِّ الأثرِ والنفعِ.. فهذا أمر جليل ونبيل ومرغوب ومحمود.. فالأرض بأمر ربِّ النَّاس هي سَكنُهم ووطنُهم الكبير بل هي غُرْفَةُ نَومهم المشترك لقوله تعالى: "والأرض وضعها للأنام"، وهي خزانة رزقهم وينبوع مائهم ومتنفس صحتهم وفضاء حياتهم لقوله تعالى: "أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا "، وهي مذللة لهم مطوعة لسعيهم وكدهم وكدحهم لقوله تعالى: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"، وهي متاحة ومسخرة لجميع البشر لقوله تعالى: "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه". لذا فإنَّه لمِنَ الموضوعية والعدل: أنْ يَعْمَّ خَيْرُها ونفعُها جميعَ أهلِها وسكانها.. وإنَّه لمن الإنصاف كذلك : أن يَنْعُمَ ويتمتعَ جميعُ مواطني الأرض بالأمن والاستقرار في ربوعها.. ولكن عن أي أنْسَنَةٍ أو عَوْلَمةٍ يتحدث النَّاس اليومَ ..؟ أهي عُوْلَمَةُ وأنْسَنَةُ العدل والأمن والسلام ..؟ أم عُوْلَمَةُ الظُلم والبغي والطغيانِ والرٌعبِ ..؟ أهي عولمة العلم والكفاية والرخاء ..؟ أم عولمة الجهل والعوز والفقر ..؟ أهي عولمة الفضيلة والأخـلاق ..؟ أم عولمة الرذيلة والفساد..؟ أهي عولمة وأنْسَنَةِ الحب والمودة والتعايش ..؟ أم عولمة وأنْسَنَةِ الكراهية والإقصاء والإلغاء..؟ أهي عولمة وأنْسَنَةِ الوئام والتكامل والتنافس والبناء..؟ أم عولمة وأنْسَنَةِ التضاد والصراع والحروب والدمار والهلاك..؟ بكل تأكيد المسلمون وكل النَّاس في الأرض هم مع عولمة وعللمة وكوننة وأنسنة قُدسيَّةِ حياة الإنسان.. وحريَّة الإنسان.. وكرامة الإنسان.. ومصالح الإنسان.. وكفاية الإنسان.. وهم مع عولمة وأنسنة العدل والأمن والسلام والتنمية المستمرة الدائمة.. وهم مع عولمة وأنسنة الخير والفضيلة بين النَّاس.. فالعالميَّةُ والعَوْلَمَةُ أمران متلازمان متكاملان.. فالعالمية بدون عولمة آمنة راشدة تبقى آمالاً وأحلاماً.. والعولمة والأنسنة بدون عالمية عادلة تكون عبثية ودماراً.. لذا يقرر الإسلام :أنَّ العالميةَ العادلةَ والعولمةَ الراشدة.. هما طرفا المعادلة الصحيحة لحركة الإنسان الراشدة والآمنة.. من أجل النهوض بمسؤوليات مهمة عمارة الأرض وإقامة الحياة والاستقرار والتنمية والأمن والسلام.

وسوم: العدد 813