القمة العربية: أولويات ورهانات العمل العربي المشترك ومفاهيم ومجالات للأمن القومي العربي

clip_image001_9bc59.jpg

علي عبد اللطيف اللافي 

تحتضن تونس الأحد 31 مارس الجاري، الدورة العادية الثلاثين للقمة العربية في ظل الوضع المتفاقم في المنطقة نتاج تعدد الأزمات وتراكم الخلافات والصراعات التي يعيشها العالم العربي والتي تفاقمت خلال العقدين الماضيين وخاصة بعد عودة منطق المحاور في المنطقة مما راكم الإشكالات وعقد الملفات ودفع إلى استحالة الوصول إلى حلول ناجعة أو حتى مكن من وجود حوارات فعالة تؤدي للحلول وهي حلول طالما بحثت عليها الشعوب والنخب العربية، ووسط كل ذلك يصح التساؤل اليوم على أولويات ورهانات العمل العربي المشترك خاصة في ظل التجاذب الحاصل بين الدول الرئيسية والمؤثرة إضافة إلى محاولات بعض الدول إسقاط مفاهيم بعينها للأمن القومي العربي وإفراغه من المفاهيم والقضايا الرئيسية وتسطير قضايا أخرى ضمن مجالاته الرئيسية؟

++ ملاحظات رئيسية وأساسية

لا تزال الجامعة العربية وقممها العادية والاستثنائية ضمن إطار دُول رئيسية تتحكم في مساراتها منذ عقود حتى أن قطاعات واسعة من النخب والرأي العام العربي أصبح يعتبر الجامعة العربية إدارة ملحقة بوزارة الخارجية المصرية أو هي موطأ فعل المملكة العربية السعودية وتأطير منهجي لسياسياتها المرحلية وبسط نفوذها على كل العرب رغم محاولات الأردنيين والقطريين والإماراتيين التأثير في القمم السابقة مع دور هادئ وقوي وناعم ومؤثر فعليا للجزائر… من الواضح أن المحور المصري الإماراتي السعودي منذ 2017 يحاول افتكاك مواقف الجامعة عبر السيطرة الناعمة على مواقفها وقرارات القمم العربية وخاصة خلال السنوات الثلاث الماضية عبر احتواء سريع وناعم لطموحات الشعوب العربية وعلى حساب القضايا المركزية على غرار القضية الفلسطينية وموضوع القدس وإرادات التحرر وبناء أسس التحول الديمقراطي لتمكين العرب من العودة للتاريخ بعد أن خرجوا منه منذ قرون وعقود… توقيت انعقاد الدورة الحالية في تونس بعد اعتذار البحرين، هو بالغ الأهمية لأنه يأتي في ظل الجدل الدائر حول عديد المسائل المصيرية مثل قضيتي فلسطين والقدس والجولان ومسألة عودة سوريا إلى الجامعة العربية (والتي لم تبرمج أصلا) ومعضلة الإرهاب وصفقة القرن بكل ما تحمله من مخاطر على كل المنطقة ككل… يسود الارتباك المنهجي والعملي وبناء على الوكالة للقوى الدولية الكبرى تجاه قضايا كبرى وحاسمة في مستقبل العرب ومصيرهم على غرار صفقة القرن وتحويل القدس عاصمة للكيان الغاصب وضم الجولان وعودة معالم الاستعمار الجديد بأشكال مبتكرة وناعمة وخفية وسط غياب السيادة الوطنية لأغلب البلدان العربية على ثرواتها ولقراراتها …

 ++ كُبرى الملفات المطروحة

وان اختلفت سياسات الدول العربية بناء على الاصطفاف لأحد المحورين الرئيسين في المنطقة وخاصة في رؤيتها للقضايا الكبرى، فانه لا شك أن الملفات الكبرى التي ستوضع على طاولة القمة العربية تنقسم فعليا إلى قسمين رئيسيين:

قضايا تقليدية: ويهم الأمر في هذه الحالة قضايا فلسطين والقدس والصراع العربي الصهيوني ومقاومة التطبيع… قضايا مستجدة: ويهم الأمر هنا العلاقات العربية – العربية التي تدهورت أكثر خلال السنوات الماضية إضافة إلى والأوضاع والأزمات في ليبيا واليمن وسوريا…

ووفي كلا القسمين من القضايا المطروحة ترتسم معالم الحروب الأهلية المنتظرة لو غابت الحلول وتواصل منطق غياب الإستراتيجية العربية الواحدة (ألفاظ وعنوان كتاب للمرحوم الدكتور “محمد المسعود الشابي”)، إضافة إلى عدم الاستقرار في أكثر من بلد عربي إن لم نقل في كل بلد عربي وبدون استثناء، وهنا لابد من التساؤل هل ستستطيع قمة تعقد لمدة ساعات أو حتى لو دامت يومين أو أكثر أن تحرز أي نتائج تذكر أو تقدم ولو بسيط في فهم تلك الملفات؟ فمبالك في إيجاد حلول أو اتخاذ قرارات تستجيب عمليا وفعليا لتطلعات الشعوب والشباب العربي؟، دون أن نتحدث طبعا في مدى قدرة هياكل الجامعة العربية على تنفيذ أي قرارات مهما كانت يسيرة التنفيذ وسهلة الإجراءات حتى ولو لم تكن افتراضا خاضعة لخارجية دول عربية بعينها أو غير مرتهنة لسياسات هذا المحور العربي أو ذاك…

ولا شك أن تاريخ وسجلات القمم العربية التي انعقدت طوال السنوات الماضية، يؤكد بان أكثر قرارات القمم بقيت عمليا حبرا على ورق، بل ووقع في مناسبات سابقة انتهاج سياسات معاكسة تماما لما وقع إقراره في القمم، كما أن الإحساس بالتضامن العربي اليوم أصبح جد ضعيف من ناحية ذلك أن مؤسسات العمل العربي ضعيفة ومشلولة في ظل الميل إلى مزيد تفكيك الوطن العربي، وعمليا خنق البعض القمة العربية الحالية قبل انعقادها بمحاولات جرها إلى موقع التجاذب الفكري والسياسي والايديلوجي من خلال القول الجدلي مثلا في تصريحات رسميين عرب أن الاحتجاجات والثورات التي انطلقت شراراتها في بداية العقد الحالي قد أربكت العرب وبلدانها وأوطانهم، وهو قول مردود على أصحابه لان تلك الثورات والتي تم التآمر عليها وعسكرة بعضها عمدا وبناء على تخطيط دبر في الغرف المغلقة بمشاركة بعض العرب هي ثورات قامت بها الشعوب لتمكيننا من العودة للتاريخ وللفعل وسط عالم يتحول ويتطور، أما رهانات بعض دول وأولها مصر وبسند إماراتي سعودي مثلا أن “الإسلام السياسي” (بغض النظر على تبني إطلاق اللفظ سياسيا وثقافيا من عدمه)، هو الإشكال والعائق، فه أيضا قول مردود على أصحابه لأن الإسلاميين مثلهم مثل القوميين والليبراليين واليساريين هم مكون رئيسي في الأمة ولهم وعليهم ولن يُفيد منطق “شيطنتهم” كما لن يفيد منطق “جعلهم ملائكة”، إذ هم جزء وتيار من الأمة وللشعوب العربية أن تحكم عليهم في صناديق الاقتراع لا أن تحاكمهم الأنظمة في المعتقلات أو في المحاكم الجائرة أو بناء على رغبات دول كبرى أو خدمة لذلك الكيان الغاصب وأرخبيله العنقودي المتنامي في العالم…

     ++ هل الزعماء العرب جادون فعلا في البحث عن المخرجات؟

لو صدق الزعماء العرب يوما وفي أي قمة من القمم لاتخذوا قرارات مصيرية ولكنهم لم يجتمعوا يوما إلا ليتفرقوا وهذا وصف لما جرى طوال عقود وليس محض افتراء، إن أولى القرارات التي يجب أن تتخذ لو توفرت النخوة العربية والتي لم نرها إلا في نصوص الأدب العربي، هي ضرورة إيقاف الحروب في سورية وليبيا وقبل ذلك إنهاء الحرب في اليمن وخاصة في ظل تدهور الوضع الإنساني الذي يعتبر الأسوأ في العالم بكل المقاييس..

ورغم وجود قناعة لدى كل المتابعين أن عملية اتخاذ القرار في كل الملفات المطروحة لن ترتقي إلى المستوى الذي ينتظره المواطن العربي فوق أن الحكام مُختلفون على أولوية الملفات ويتجاذبون حول مضمونها وحول أي ملف يناورون في طرحه إضافة للتبارز في إرباك بعضهم البعض، ولعل زيارة ملك الأردن منذ أسابيع قد كان محورها الرئيسي هو المسارعة إلى تقديم ملف على ملف والى تحديد وترتيب الأعداء بالنسبة لمحور عربي بعينه، ويُمكن الجزم بناء على كل ما تقدم أن القمة ورغم بلوغ ضيوف تونس من الوفود أكثر من 5000 ضيف، لن تستطيع أن تدعم القضية الفلسطينية مثلا بما يمكنها من مواجهة صفقة القرن في ظل تورط أطراف عربية فاعلة في هذه المسألة، وهي لن تستطيع أيضا أن تنتصر للشعب اليمني وتنهي حربه الأليمة والدامية والمدمرة لقراه وحضارته وهو الذي لم يعد سعيدا بعد أن كان يسمى “اليمن السعيد”، وكذلك الحال بشأن سوريا في ظل انصياع الدول العربية لمؤثرات خارجية تدفعها بعيدا عن سوريا بل أن المؤشرات تدل أن عودتها للجامعة لن تطرح أصلا على طاولة القمة…

وأولا وأخيرا يمكن القول أن الحديث عن رهانات العمل العربي المشترك ومفهومه ستبقى كلمات وجمل إنشائية تُحبر وتُكتب في المقالات وتردد في القنوات التلفزية ولن تُحوّل إلى فعل سياسي ورهانات واقعية، كما أن مسألة التضامن العربي ستكون عنوانا فضفاضا خاليا من المضامين والدلالات، وهذه هي الحقيقة التي يجب أن نعترف ونسلم بها في انتظار متغيرات أو معجزات وهي تحديات نأمل أن يرفعها الشاب بالعربي في السنوات القادمة لتتمكن الشعوب أن تُواجه القضايا الأساسية بأدواتها الفعالة سواء بمواجهة التطبيع وصفقة القرن وإنقاذ سوريا واليمن وليبيا من الأزمات الراهنة…

ورغم الخيبة والمرارة وطبيعة الوعي بأن “الزعماء” العرب لا يلتفتون إلى مطالب شعوبهم في الحرية والوحدة والكرامة، فإن مطالب الحد الأدنى يمكن تلخيصها في:

الدعم العملي والقوي للفلسطينيين وحماية القدس ومواجهة سياسات “الاستيطان” والتصدي لمنطق “قضم الأراضي”، ورفض صفقة القرن وكل ما يُدبر من مخططات لتصفية القضية الفلسطينية ومن كل أشكال التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي مع الاحتلال… إقامة علاقات متوازنة تقوم على الحوار والتفاهم مع دول الجوار وحل المشاكل العالقة معها عبر التواصل والتفاوض بل وتكريس التكامل في القضايا المشتركة والمصيرية، ورفض كل تشويه وتحريف لمفهوم الأمن القومي العربي وعدم وضع أعضاء وهميين في الداخل والخارج والتأكيد على أن مهددات الأمن القومي العربي تتمثل في التدخل الأجنبي والاحتلال الخارجي… احترام تطلعات الشارع العربي في الحرية والكرامة والمطالبة بتشكيل حكومات تعبر عن إرادة الشعوب، وإدانة وإفشال كل محاولة تسعى لتعطيل التحول الديمقراطي في بلدان العالم العربي… الدفع باتجاه التضامن والتكامل العربيين ورفض الطائفية والعرقية في العالم العربي والتأكيد على توصية القمة الاقتصادية العربية في بيروت ببعث مصرف عربي مشترك يمكن من الاستجابة لتطلعات الباعثين العرب الشبان وتشريك سيدات الأعمال العرب في إقامة المشاريع الاستثمارية الكبرى …

++ الأمن القومي العربي والإسقاطات الكبرى مضمونيا ومجاليا    

أولا، إن أكبر المخاطر على الأمن القومي العربي، هي الإحباط الذي يكبر من سنة إلى أخرى في ذهنية المواطن العربي باعتباره أهم “الأرقام” في كل المعادلات، حيث تكمن الخطورة في أن كل ما يتعلق بالقمم العربية وبالوحدة العربية وبالتعاون العربي وقبل كل شيء بالعمل العربي المشترك، لم يعد ذا أي قيمة أو أي رد فعل لدى الرأي العام العربي ولدى الشعوب الغارقة بطبيعتها في يومها المعيشي وفي التراكم الكمي للإشكالات والصراعات الاجتماعية، وهو أمر دال أولا وأخيرا على الهوة الفاصلة عمليا بين الأنظمة والشعوب العربية وهي عمليا ابن بكر ونتاج طبيعي للسياسات الخاطئة التي لم تؤد سوى إلى مزيد التفكك والكوارث العربية والتي أصبحت مثالا للتندر في العالم…. ثانيا، تسعى دول بعينها أن تجعل من دول الجوار العربية وخاصة تركيا وإيران وإضافة الصين كمجال يمثل خطرا رئيسيا على الأمن القومي العربي، مقابل تنويم مغناطيسي ناعم عبر إخراج بطئ للكيان الصهيوني الغاصب من مجال الأمن القومي العربي بينما تؤمن الشعوب العربية أن الصهيونية هي العدو الأول والأخير للعرب، ذلك أن الجارين التاريخين للعرب وبغض النظر عن أخطائهما المفترضة والحقيقية في حق العرب وفي حق بلدان عربية بذاتها وفي أخطاء دول عربية تجاههما يبقى من المهم إقامة علاقات حوار وتواصل معهما وإصلاح الأخطاء والسياسات من قبلهما كجارين للعرب وإصلاح ترتبات أخطاء العرب تجاههما، أما الصين فهي قوة عظمى متنامية وقادمة للتحكم في العالم اقتصاديا وتكنولوجيا ومن الخطأ عدم الوعي بإقامة علاقات إستراتيجية معها والسقوط في اعتبارها عدو وخصم مثلما يراد دفعنا من طرف قوى دولية لذلك… ثالثا، أن أمن العرب من أمن شُعوبهم وامن مجالاتهم الجغرافية، وأن الأمن اليوم هو أولا فكري وثقافي واقتصادي واجتماعي وتقني وعلمي بالأساس، ولا شك أن الإرهاب هو تحد كبير للأمن القومي العربي وجب التصدي له تصديا منهجيا وشموليا عبر محاربة الفكر العنيف والمتطرف غبر التصدي للفكر المدخلي باعتباره أكثر الأفكار كارثية على مستقبل العرب وعلى حداثتهم وتاريخهم وفعلهم الحضاري… رابعا، إن اكبر المخاطر على الأمن القومي العربي هو في توظيف مفهوم “الأمن العربي” من قبل دول ومحاور في صراعاتها وتحويل القمة العربية إلى ملعب تُحدد فيه مفاهيم ومجالات للأمن القومي العربي على حساب بلدان عربية أخرى أو حتى على الجوار العربي والإفريقي فتُصاغ مفاهيم تحت منطق المساعدات المادية أو عبر التلويح باستثمارات أو عطايا مسمومة خاصة وأن بعض الدول العربية الرئيسية تحولت عمليا إلى أذرع إقليمية خادمة لقوى دولية من اجل نهب ثروات شعوب وبلدان عربية أخرى…

وسوم: العدد 818