لو ترك السودانيون وحدهم لحلوا مشكلاتهم لخيرهم

الملاحظة البارزة في الصراع بين المجلس العسكري الانتقالي برئاسة الفريق الركن عبد الفتاح البرهان والقوى المدنية بقيادة " إعلان الحرية والتغيير " المؤلفة من طائفة من الأحزاب إضافة إلى " تجمع المهنيين السودانيين " ومنظمات مدنية أخرى ؛ هي أن الطرفين يشددان على التهدئة للوصول بالبلاد إلى بر الأمان رغم وقوع المجلس العسكري الانتقالي تحت ضغط قوى خارجية مثل النظام السعودي والنظام الإماراتي اللذين سارعا إلى الاعتراف به ، وتقديم حزمة معونة من 3 مليارات دولار، منها 500 مليون دولار وديعة في المركزي السوداني  ، وأميركا التي لها تحركاتها في الحالة السودانية ، وإسرائيل الأكثر إخفاء لتحركاتها في هذه الحالة . والدليل على جنوح المجلس العسكري الانتقالي إلى التهدئة  مع القوى المدنية عرضه لضم أقلية منها إلى تركيبته العشرية ، وترد القوى المدنية بأنها تقبل بأقلية عسكرية في أطرها المدنية المؤلفة من مجلس رئاسي مدني يقوم بالمهام السيادية في الدولة ، ومجلس تشريعي مدني يقوم بالمهام التشريعية ، ومجلس وزاري مدني مصغر من الكفاءات الوطنية للقيام بالمهام التنفيذية في الفترة الانتقالية التي ترفض أن تمتد لسنتين مثلما اقترح المجلس العسكري  فور تشكيله . وكان الاتحاد الأفريقي حدد 15 يوما لتسليم السلطة للمدنيين وإلا سيفصل السودان من عضويته ، ومددها  بعد اجتماع عدد من دوله القليلة الأهمية مثل تشاد وجيبوتي في القاهرة يوم الثلاثاء إلى  3 أشهر . وتبدو القوى المدنية مع ذلك أكثر تشددا من المجلس العسكري في مطالبتها بسرعة الانتقال إلى الحياة المدنية ، ولها عذرها في تشددها مستفيدة من دروس الثورات العربية التي أعيد فيها إنتاج النظام السابق عبر العسكر بوجوه جديدة مثلما حدث في مصر ، ومن ثم هي تدعو لمواصلة الحشد الشعبي أمام  مقار الجيش ، وتتوعد بمليونية الخميس القادم . ومهما كان التباين بين الفريقين فإنهما يبدوان جانحين إلى تجنب الصدام بينهما ، وراغبين في حل مقبول لكليهما ، ولهذا الجنوح ولهذه الرغبة صلة وثقى بالشخصية السودانية المسالمة الطيبة المبرأة من النزوع إلى الشر والأذى ، وهي صفات يجب أن يتوسل بها الطرفان ، العسكري والمدني ، إلى بلوغ بر الأمان بالشعب السوداني ومطالبه الشرعية في حياة إنسانية حرة كريمة تتوفر فيها مقومات اليسر لكل مواطنيه الذين قاسوا عقودا من الحرب والتغول الأميركي  الجائر في الساحة الدولية . والسودان مقتدر بثرواته الطبيعية من مياه وفيرة وأراضٍ خصيبة ومعادن دفينة ، وكفاءات بشرية متنوعة ؛ على صنع هذه الحياة . ولم يكن بلا موجب حقيقي الإجماع الذي ساد في سبعينات وثمانينات القرن الماضي على أن السودان مؤهل ليكون سلة الغذاء العربية . قوى الثورة المضادة خاصة في الخارج ستبث المعوقات الكبيرة في طريق وصول السودانيين عسكرا ومدنيين إلى بر الأمان والتوافق والخير ، فهذا يقضي على مصالح هذه القوى في السودان ذاته ، ويقدم مثلا للشعوب العربية الأخرى في التوافق الوطني . ومن هنا على السودانيين أن يقاوموا أي تدخل خارجي في شئونهم ، وهم أصحاب خبرة طويلة في الحياة السياسية والحزبية وتوافقاتها . وما من ريب في أن مقاومة التدخل الخارجي ليست سهلة ، فلا أحد يعيش  معزولا عن تأثيرا ت الآخرين خيرين أو شريرين ، والحاسم هو القدرة الذاتية على التقليل من خطر الشريرين ، وتسهيل الإفادة من الخيرين ، وأي ثورة في التاريخ كان لها أعداء في الداخل والخارج .

وسوم: العدد 821