الدين الانقلابي الجديد!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

لم يكن مفاجئا ما صدر من قرارات عدوانية شيطانية ضد الإسلام وتاريخه وقيمه ، مسبوقة بمقالات وأحاديث نشرتها الأذرع الإعلامية وبثتها عبر الصحف الخاضعة للانقلاب العسكري الدموي الفاشي وقنواته  التلفزيونية وموجاته الإذاعية . لقد أعلن الانقلابيون أنه تم حذف قرابة ثلاثين موضوعا في مناهج اللغة العربية من الصف الأول الابتدائي حتى الصف الثالث الثانوي بحجة أنها تدعو إلى التطرف والإرهاب ، ومعظمها في الواقع يدور حول البطولة والجهاد ومقاومة الأعداء والطغاة والمستبدين !

أبرز المحذوفات ما يتعلق بالبطل المسلم صلاح الدين الأيوبي محرّر القدس من أيدي الصليبيين الهمج، وعقبة بن نافع محرر شمال إفريقية من الروم المتوحشين المتحالفين مع البربر. صار البطلان المجاهدان من المتطرفين الإرهابيين !!

سبقت القرارات العدوانية الشيطانية اتهامات للإسلام من أتابك عسكر الانقلاب بأن المسلمين يتمسكون بمقدسات تحض على كراهية الآخرين وإيذائهم ، وأن مليار وبعض المليار مسلم يتحرشون بستة مليارات من البشر . ثم كانت الدعوة إلى الثورة الدينية التي حاول دعاتها أن يلطفوا منها بالقول إنها ثورة من أجل الدين وليست عليه ، فجاءت البشاير بإلغاء دراسة صلاح الدين وعقبة بن نافع، مع وعد بتنقية مناهج اللغة العربية من كل ما يشير إلى الإسلام بصلة، كما حذفوا اسم الخليفة الثاني من أحد الموضوعات وأبقوا على لفظ الأمير بدلا من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وتعجب إن لطّفوا من اسم " كفار قريش " وخفّفوه ليكون " المعارضة "!

يوم الانقلاب 3يولية 2013 الذي كان يشبه سقوط غرناطة آخر بلد إسلامي في الأندلس ، وقف تواضروس يعبر عن فرحته بإزاحة الحاكم المسلم ويبشر بعهد جديد عبر عنه فيما بعد برفض النظام الإسلامي . كان المشهد يؤكد أن مصر المسلمة سقطت، ولن يكون هناك شيء اسمه الإسلام ، وعبّر أطراف الانقلاب أن الهويّة الإسلامية ليست هويّة مصر ، ومعنى ذلك أن هناك دينا انقلابيا جديدا سيتم صياغته والمناداة به ليُرضى بابا الكنيسة ، المرشد الأعلى للانقلاب ومعه العالم الصليبي واليهود الغزاة في فلسطين المحتلة وأعراب الخليج الذين يروجون للإسلام الشكلي ! 

تواردت بعدئذ معالم الدين الانقلابي الجديد ، فقد تحدث أتابك عسكر لصحيفة " وول ستريت " مؤخرا عن سوء الفهم والخلط حول حقيقة الإسلام، وذكر أن الدين يحميه روحه وجوهره وليس البشر(؟)، فالبشر يأخذون تعاليم الدين ويتجهون بها نحو اليمين أو اليسار، كما يدعي ، وأن الدين الإسلامي الحقيقي يمنح الحرية لجميع الناس ليؤمنوا أو لا، ولم يدع قط لقتل الآخرين الذين لم يؤمنوا به، ولم يقل إن للمسلمين الحق في إملاء معتقداتهم على العالم، كما لم يقل إن المسلمين فقط هم من سيدخلون الجنة وسيلقى غيرهم فى الجحيم، وشدّد على أن الناس ليسوا آلهة على الأرض، وليس لهم الحق في التصرف نيابة عن الله. ثم انتقل إلى كلام أخطر ملخصه أن التعاطف الشعبي مع فكرة الدين في السياسة، كانت تهيمن على المشهد بأكمله في مصر لسنوات، لكن هذا لم يعد له وجود، وهو ما وصفه «بالتغيير الاستراتيجى». وزعم  أن ما جاء بجماعة الإخوان إلى السلطة كان التعاطف المصري مع مفهوم الدين، وأن المصريين كانوا يعتقدون أن الإخوان دعاة الإسلام الحقيقي، لكن  السنوات الثلاث الماضية كانت اختبارًا حاسما كما يزعم لأولئك الذين كانوا يروجون الأفكار الدينية!

وهذا كلام فيه تخليط يحتاج إلى صفحات طوال لدحضه وفرزه .

يكفينا في هذا السياق أن الذين جعلوا من أنفسهم ظلا لله على الأرض لم يكونوا مسلمين ، ثم إن التعاطف الشعبي مع الدين لم يأت بالإخوان المسلمين وحدهم ، ولكنه جاء بالسلفييين وبالجماعة الإسلامية وبغيرهم من الأغلبية الإسلامية ، والسبب هو أن الشعب المصري مسلم ولن يتخلى عن إسلامه ، ولا تغيير استراتيجي هناك ولا يحزنون ، هناك فقط قهر وقمع وقتل من جانب العسكر الانقلابيين وأتباعهم لمن يرفضونهم من المسلمين . أما مسألة الجنة فيمكن سؤال تواضروس ؛ المرشد الأعلى للانقلاب ، عنها : هل سيدخل المسلمون الملكوت أو بحيرة النار والكبريت؟ سيجيب وفقا لإنجيله : بحيرة النار والكبريت!

معالم الدين الانقلابي الجديد تتشكل تدريجيا ، وهي ليست وليدة اليوم وإنما بدأت مع الحكم العسكري منذ عام 1952 ، الذي جعل الدين رجعية وتخلفا وأفيونا للشعوب من خلال خطبه وأبواقه ، وفي أحسن الأحوال جعله قيما روحية على وزن المشروبات الروحية . وسبق له أن جعل مادة الدين الإسلامي غير مضافة للمجموع أي ألغاها عمليا فلا تدرس ولا تذاكر ولا يهتم بها الطلاب ، وكانت النتيجة تخريج   أجيال لا تعرف عن إسلامها شيئا ، ولعل نظرة سريعة على صفحات الحوادث وأحوال المجتمع في الصحف تكشف مدى الانحدار الخلقي والسلوكي الذي أصاب الناس نتيجة عدم الوعي بمفاهيم الإسلام وقيمه وتشريعاته .

والمفارقة أن وزارة التعليم في سنوات خلت استعانت بخبراء أميركيين لتطوير مناهج التعليم الديني في مصر (!) ، مع أن هذه المناهج لا وجود لها في الواقع العملي للمدارس ! أما مناهج اللغة العربية فقد حذفوا منها كل ما يجعل التلميذ يشعر بالفخر بإسلامه وأبطاله ومجاهديه ؛ بحجة أنه يدعو إلى العنف والتطرف !

لقد حذفوا عبقريات العقاد : محمد وعمر وخالد ، وكانت تدرس في الثانوية العامة ، وحذفوا موضوعات كثيرة من مادة التاريخ الإسلامي ، بل جعلوا هذه المادة في بعض سنوات الدراسة مادة اختيارية، والطريف أن درجات مادة اللغة الأجنبية الأولي واللغة الأجنبية الثانية في الثانوية العامة تفوق مادة اللغة العربية ! أي هوان للإسلام في بلد الإسلام والمسلمين في عهد تواضروس؛ المرشد الأعلى للانقلاب !

على الجانب الآخر تعمل الأذرع الانقلابية على إلغاء التعليم الأزهري في مراحله الأساسية الثلاث ، الابتدائي والإعدادي والثانوي ، مع شن حملة ضارية على مناهج التعليم في الأزهر واتهامها بتصنيع العنف والإرهاب والتخلف ، بالإضافة إلى الهجوم الوقح على شيخ الأزهر الذي قدم للانقلاب كل دعم ممكن لدرجة تأييده في  قتل المسلمين الأبرياء في رابعة وأخواتها ، وهو ما دفع هيئة كبار العلماء لإصدار بيان تدافع فيه عن الأزهر، وتستنكر حملة الهجوم التي يتعرض لها، ومحاولة النيل من ثوابت الإسلام، وتتهم المهاجمين لتراث الأمة وعلمائها بأنهم يخدمون النزعات الطائفية التي تتمدد في المجتمعات السنية لتفكيك وحدة الأمة.

ملامح الدين الانقلابي الجديد تتجه إلى جعل المسلمين يعيشون تجربة الموريسكيين في الأندلس ( المسلمين الذين تنصروا تحت وحشية محاكم التفتيش) بفضل العسكر الذين يتدرجون في تخطيطهم الشيطاني خدمة لأعداء الإسلام والمسلمين . أخيرا جريدة "يديعوت أحرونوت" اليهودية تزغرد لحذف بطولة صلاح الدين . مفهوم ؟

الله مولانا ، اللهم فرّج كرب المظلومين ، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !