"التكتيك" بين الخداع والضياع

[باختصار، من مقال منشور في مجلة البلاغ – العدد 1767 – شوال 1428هـ.

يستسهل بعضهم المكر والكيد في ميدان صراع المسلم مع أخيه المسلم، لا يردعه إيمان ولا خُلُق، فيكيد بعضهم لبعض كيداً يستهلك الجهد والفكر، وحين يصيب بعض النجاح في هذا الصراع يُسَرُّ كأنه حقق انتصاراً على الأعداء.

والعجيب أنه لا يعمل في الكيد للعدو، بل يفلح العدوُّ بالكيد لهذا المسلم وذاك، فيَشْغَلهما بصراعاتهما، ويغذّي المكر بينهما.

أصبح من التكتيك أن يخفي المسلم بعض قناعاته ويُظهر خلافها في سبيل إرضاء عدوّه (غير المسلم). يقول لي مسلم داعية: نحن هنا في جو علماني، ومصالحنا كلها مرتبطة به، فلندعُ إلى العلمانية لنكسب رضاهم!... قلتُ: فهلّا دعوتَ إلى الإسلام كما أُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم دعوةً صريحة دون أن تعتدي أو تشتم أو تسيء!. (ادعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة). {سورة النحل: 125}.

ويأتي دعاة يردّدون عبارات توهم أن حقوق غير المسلم هي ذاتها حقوق المسلم وينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم عبارة: "لهم ما لنا وعليهم ما علينا". وهذه العبارة باطلة سنداً ومعنى. والحديث الذي يمكن أن ينسبوا إليه هذه العبارة هو ما رواه ابن حبّان، وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "... فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلّوا صلاتنا، فقد حَرُمتْ علينا دماؤهم وأموالهم، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم". فأين ما ينسبه هؤلاء الدعاة من هذا؟. نعم، إن من يؤمن بالله ورسوله فهو كسائر المسلمين، مهما كانت عشيرته، ومهما كان دينه قبل الإسلام.

لقد أمر الله تعالى رسوله أن يبلّغ ما أُنزل إليه، وهذا هو واجب الداعية المسلم البلاغ الحق، والالتزام الحق حتى يسمع الناس كلام الله، ويرونه في الداعية ممارسةً والتزاماً.

ودعوى الاعتدال والوسطية لا يجوز أن تؤدي إلى انحراف عن نهج الإسلام. فالإسلام هو الاعتدال الحق حين يُمارَس بتكامله دون انحراف أو تنازل، ودون غلوّ، وليس الاعتدال هو الاستسلام لعدوان الآخرين.

ودعوى محاربة الإرهاب كذلك. فالإسلام خير دين يقاوم الإرهاب المعتدي والظالم، والعلمُ الصادق خير وسيلة لمنع الإرهاب الظالم، ووقف الغلوّ، وتأمين حقوق الناس جميعاً. والإسلام وحده هو الذي يوفّر الضوابط والكوابح لشهوات النفوس.

وماذا يريد الآخرون منا؟. لقد قال بوش: "إما أن تكون معنا أو أنت ضدّنا". وقال قبله نيكسون: "في الشرق عاصمة إسلامية لا نستطيع أن نصطدم معها ولكن نستطيع أن نغيّر اتجاهها". ويقول: "إن المسلمين المعتدلين هم حصتنا في العالم الإسلامي. هم بحاجة إلينا لنقدم لهم فكراً جديداً وديناً جديداً، بدلاً من فكر الأصوليين ودينهم، وسندعمهم بالمال والفكر والإعلام".

وبهذا يظهر ما يبغيه بوش ونظراؤه، وصدق الله تعالى: (ولن ترضى عنكَ اليهودُ والنصارى حتى تتّبعَ ملّتَهم). {سورة البقرة: 120}.

وسوم: العدد 824