سيدنا أبو عقيل صاحب الصاع .. هل عرفتموه ؟!

حتى كتب التراجم اضطربت في توثيق اسمه . نسميهم في هذا العصر الجنود المجهولون . بدري وحسبه رضي الله عنه . وشهيد يوم اليمامة في قتال المرتدين . واختلفوا في اسمه فقالوا : سهل بن سعد ، وقالوا سعد بن سهل ، وقالوا حثحاث وجثجاث وقالوا حبحاب وقالوا عبد الرحمن بن بيحان وأن اسمه كان عبد العزى فغيره سيدنا رسول الله ..

وفي الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حض المسلمين يوما على الصدقة .. فجاء سيدنا عبد الرحمن بن عوف بنصف ماله ، وقال : يا رسول الله أمسكت نصفا وتركت نصفا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بارك الله لك فيما أمسكت وبارك لك فيما بذلت .. اللهم بارك للمنفقين فيما أنفقوا وبارك لهم فيما أمسكوا . وجاء سيدنا عمر بمثل ما جاء به سيدنا عبد الرحمن ، وجار سيدنا عثمان بما زاد عليهما وجاء صحابي من الأنصار بتمر كثير ...

وجاء سيدنا أبو عقيل بصاع تمر يقول : يا رسول الله آجرت نفسي على جر الماء من البئر فعملت طوال ليلي على صاعين من تمر ...

أمسكت واحدا لقوت عيالي ..

وهذا الآخر ضعه في الصدقات . ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي عقيل ضع الصاع في الصدقات ..

وتنطلق ألسن المنافقين { سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ } تتبارى في كل العصور في الاستخفاف بالإسلام وتجريح المسلمين . فعندما جاء عبد الرحمن وعمر وعثمان بما جاؤوا به كانت هذه الألسن تلمز هؤلاء المؤمنين بإرادة الرياء وحب الظهور . وعندما جاء سيدنا أبو عقيل بصاعه قال المنافقون : إن الله غني عن صاع هذا ..

ونزل قرآن يتلى ، نتعبد به في المحاريب في أبي عقيل وصاعه وفي المنافقين وشقشقة ألسنتهم : {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سخر الله منهم ولهم عذاب أليم }

الدرس بالمثل لكل أصحاب الصيعان ، لكل الذين لا يجدون إلا جهدهم ، تعبهم وكدهم عملهم اليدوي ..

تتلألأ تمرات سيدنا أبي عقيل فوق الدراهم والدنانير تتعانق جميعا ليكون الباذل في ديوان الباذلين . وسبق درهم ألف درهم كما أخبرنا النبي الكريم .

وعلى الطرف الآخر من الواقعة الشاهد ألسنة المنافقين الحداد التي تلتف علينا هذا العصر فنظل نسمع حسيسها هدما وشجبا وثلما للإسلام والمسلمين ..

أتابع الكثيرين في الفضاء العام لهذه الأمة لا يتحدثون إلا في الزراية على الإسلام وأهله . في الفكر والسياسة والاجتماع والاقتصاد والحياة اليومية .. دائما الإسلام هو المسئول والمسلمون هم المدانون . هم المذنبون ، حتى عندما يُذبح المسلم هو الملوم حتى عندما تنتهك المسلمة هي المجرمة !! المسلمون مذنبون إن قاموا وإن قعدوا إن تحركوا وإن سكنوا ، إن تراجعوا أو تقدموا . إن ذهبوا يمينا أو يسارا ..

هذا هو النفاق بعينه وصوته وخيله ورجله يلتف كالأفعى على أعناق المسلمين ، يجلس كالجاثوم على صدورهم ، يتربص دائما بأفواههم ..

نفاق مستعل تدعمه كل أدوات الشر في هذا العالم.

الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم ..

والفقه الأكبر في قوله تعالى " والذين لا يجدون إلا جهدهم "

ربنا يعلم أننا ننتصر لدينه بجهدنا أي  بضعفنا ، وفقرنا ، وقلة وسيلتنا وحيلتنا . كثيرون يخاطبون الدعاة وكأنهم أصحاب سلطان مقتدرون أغنياء ينتظرون منهم أن يقدموا ما تعجز عنه الدول وتنوء بحمله الأمم

إن الحقيقة ونحن نترضى في هذه الوقفة على سيدنا أبي عقيل ، هي أن نقر ونعترف أن حالنا حال سيدنا أبي عقيل ..بجهدنا وصاعنا سنظل بإذن الله قائمين على ثغرنا ، مدافعين عن ديننا حتى يفتح الله بيننا وبين عدونا بالحق وهو خير الفاتحين ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 825