بشار الأسد والمنطقة الخضراء في بغداد !!

د. محمد أحمد الزعبي

1. لايلدغ العاقل من جحر مرتين !

كمعارض عربي سوري للنظام الديكتاتوري الوراثي  في دمشق، أجدني مسرورا لهذه الزيارة ( غير المفاجئة ) لوزير خارجية بشار بن حافظ الأسد وليد المعلم للمنطقة الخضراء في بغداد ، في الفترة من 19 إلى 20 نوفمبر 2006 ، والتقائه بمثيله في الشكل والمضمون هاشبار زيباري  ! .

 أما سبب سروري لهذه الزيارة ، فلأنها أزالت لبساً سياسياً كان قائما ـ بهذه الصورة أو تلك ـ بين بعض  أبناء العم ( حسب تعبير رياض الترك)  من المناضلين العراقيين وبعض أبناء العم من المناضلين السوريين الذين  يؤيدون المقاومة العراقية  البطلة التي تتصدى للإحتلال الإنجلو ـ أمريكي  الغاشم منذ العاشر من أفريل   2003 ، تأييدا مطلقاً  ، بقلوبهم وعقولهم  وبألسنتهم  وأقلامهم .

 ويتمثل هذا اللبس السياسي ،الذي أشرنا إليه ، في أن  بعض الإخوة المناضلين في العراق الشقيق ، قد خدع( بضم الخاء) في بعض الأحيان، بالتراشق الكلامي بين نظام دمشق من جهة ، وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى  وخيل إليه ( أي البعض ) أن نظام دمشق هذا  ذا الأصول البعثية ، يمكن أن يكون مختلفا عن بقية الأنظمة العربية التي تواطأت مع الولايات المتحدة ضد العراق في حربي 1991 و  2003 . ولعل مثل( بفتح الميم والثاء ) هؤلاء الإخوة في بغداد كمثل رفاق لهم في دمشق قد خدعوا( بضم الخاء  أيضاً) بدورهم  بما عرف ، بعد مسرحية التوريث ، بـ  خطاب القسم لبشار ( للوريث الشاب !) الذي جعل ـ أي خطاب القسم ـ  الكثيرين يعتقدون أن سورية باتت حبلى بربيع دمشقي سوف تفتح ولادته(رغم طابعها القيصري) للجماهير باب الديمقراطية على مصراعيه ، وكانت النتيجة أن( الوريث الشاب) بدلا من أن يفتح للجماهير الشعبية  باب الديمقراطية ، فتح لها ولقياداتها السياسية والثقافية والإجتماعية  أبواب السجون والمعتقلات ، وتحول نسيم  ربيع دمشق الواعد  إلى عاصفة هوجاء اكتسحت في طريقها  كافة رموز المعارضة الوطنية في سوريا، بدءاً من رياض الترك و عارف دليلة وحبيب عيس ورياض سيف ومامون الحمصي  وفاتح جاموس وعبد العزيز الخيّر وأصلان عبد الكريم ...الخ وانتهاء برموز إعلان دمشق ، وإعلان بيروت ـ دمشق/ دمشق ـ بيروت ولاسيما ميشيل كيلو وكمال اللبواني ومحمد العبد الله وأنور البنّي والعديد من ناشطي ورواد منتدى الأتاسي ، مرورا بمئات إن لم يكن آلاف المناضلين  من المواطنين الشرفاء الآخرين الذين تم الزج بهم في زنازين النظام  التي باتت لكثرتها عصية على العدّ . إن هذا يعني أنه على الإخوة وأبناء العم  في بغداد ، ألاّ يلدغوا من ذات الجحر الذي سبق أن لدغ ( بضم اللام )منه إخوانهم في دمشق ، والذين هم النصير الحقيقي لهم ، قلباً وقالباً ، في ربيع وخريف وشتاء وصيف دمشق  ..

2. السقطات العشر !

إن إزالة الإلتباس الحاصل بين رفاق الطريق ، فيما يتعلق بالموقف من النظام السوري الراهن ، والذي ساهمت زيارة وليد المعلم الهاشزيبارية  بتحقيقها ( أي إزالة الإلتباس )، باتت تسمح  لقلم الرصاص ، في  أن يقول اليوم مباشرة ماكان يقوله بالأمس مداورة. ولسوف يكتفي هذا القلم  هنا بتعداد أبرز  المواقف االمشبوهة واللاديموقرطية للنظام السوري و التي لاتحتاج إلى كثير من الشرح والتوضيح والتعليل  نظراً لشدة وضوحها ، والتي تكشف الغطاء عن تآمر النظام السوري بجيليه ( الأب والإبن ) على القضايا العربية عامة ، وعلى القضيتين الفلسطينية والعراقية خاصة ، ناهيك عن موقفه الراهن الذي لايحسد عليه من القضية اللبنانية ومن المحكمة الدولية  ، بعد اغتيال المرحوم رفيق الحريري . وتتمثل أبرز هذه القضايا ـ من وجهة نظر الكاتب الشخصية - بما يلي : ـ

ــ  مصادرة الحياة الديموقراطية في سورية جملة وتفصيلاً ، وتغطية هذه المصادرة ، بالتبني الشكلي لأيديولوجية حزب البعث  بأبعادها القومية والاجتماعية والإشتراكية ، وتثبيت ذلك في المادة الثامنة من دستور

حافظ الأسد لعام 1973 بنصها على أن حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع في ج ع س !! ثم إفراغ

هذه المادة من مضمونها في المواد اللاحقة التي أعطت لحافظ الأسد ، ، كل الصلاحيات التي لايملكها أي رئيس أو ملك أو امبراطور في وقتنا الراهن . بل وسمحت له  بالجمع والدمج بين منصبي رئيس الجمهور والأمين العام لحزب البعث الحاكم(!) وبتعيين أعضاء المحكمة الدستورية  المسؤولة عن محاسبة الرئيس نفسه، مما يعني عمليا إخضاع السلطتين التشريعية والقضائية للسلطة التنفيذية ، أي بالمشرمحي لسلطة حافظ الأسد شخصياً !! . ( أنظر مقالة للأستاذ المحامي أنور البني ، بعنوان  " الآلية القانونية لهيمنة حزب البعث  في سوريا " في صفحات سورية ، تاريخ 15 . 11 . 06 ) .

ــ  تكريس حالة الطوارئ  التي تم فرضها في البلاد بتاريخ 8 / 3 / 1963 ، والتي مثلت العربة التي استخدمها النظام في تنقلاته المشبوهة،  من حفر الباطن في السعودية 1991، إلى منطقة عنجر في بيروت 1976 ، وأخيرا وليس آخرا إلى المنطقة  الخضراء في بغداد الرشيد 2006 . إن هذه المحطات الكبرى الثلاث ( حفر الباطن ، عنجر ، المنطقة الخضراء ) إضافة إلى المحطة الرابعة التيى تتمثل  (بالبلاغ العسكري  رقم 66 ) الشهير من بلاغات حافظ الأسد العسكرية في حرب حزيران 1967 الذي أعلن فيه عن سقوط القنيطرة عاصمة هضبة الجولان قبل أن يدخلها أي جندي إسرائيلي ( !! )، والإنسحاب الكيفي للجيش السوري من هضبة الجولان ، وأخيرا هذا الصمت المتواصل على احتلال إسرائيل لهضبة الجولان ومن ثم إعلانها عام 1981 ـ  بقرار من الكنيست ـ  ارضا إسرائيلية  ( !! ) وتأييد ترامب ( 2019 ) لهذا الضم  إنما تمثل المربّع الزئبقي للتعاون الأسدي الأمري ـ إسرائيلي المتواصل منذ انقلابه العسكري على الحزب بجناحيه القومي والقطري أو إذا شاء بعض الرفاق عام 1970 و حتى يومنا هذا ، يوم الزيارة الميمونة لوليد المعلم للمنطقة السوداء ، حيث زملا ؤه في العمالة والطائفية ، و حيث تبادل القبلات والقهقهات مع السفير الأمر يكي الذي خلص الطرفين من صدام حسين  ( العدو المشترك لهما )، ممهدا بذالك الطريق الجغرافي والسياسي لمثل هذه الزيارة المشبوهة !! .

ــ  تكريس ظاهرة الفساد الإداري والمالي ، ذلك أن طبيعة النظام الأقلياتية  اللاديمقراطية ، جعلته بحاجة إلى شراء الذمم  والتغاضي عن تجاوزات الأزلام والمحاسيب والأقارب وأجهزة الأمن وكل الذين يعوض النظام بهم غياب التأييد الشعبي الحقيقي  له .

ــ  العجز عن حماية أرض الوطن ، سواء فيما يتعلق بلواء اسكندرون الذي استولت عليه تركيا بمساعدة فرنسا 1939 أو بهضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل عام 1967 ، ثم أعلنت ضمها رسميا إلى كيانها المصطنع عفي 14/12/ 1981 . ناهيك عن الموقف المتفرج من الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين ، ومن الإحتلال الإنجلو ـ أمريكي للعراق ، وهما قطران عربيان ينطبق عليهما ، وفق أيديولوجية حزب البعث ، ماينطبق على هضبة الجولان السورية المحتلّة .

ــ  تحويل سورية من جمهورية برلمانية ديمقراطية ، إلى جمهورية وراثية ، بعد مهزلة تعديل المادة المتعلقة بعمر رئيس الجمهورية  في دستور 1973، وجعلها على المقاس العمري للوريث ( بشار) ، وتحويله عمليا إلى ملك غير متوج !! .

ــ الهيمنة على القطاع العام ، ولا سيما النفطي منه ، وتحويله إلى ملكية خاصة للنظام وأزلامه ، الأمر الذي تحول معه هذا القطاع إلى بؤرة للفساد والإفساد والإرتزاق غير المشروع ، وتحطمت على صخرته مقولة " الرجل المناسب في المكان المناسب " العنصر الأساسي والضروري لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية  والثقافية .

ــ التصفية الجسدية  للخصوم السياسيين ، من أبناء  الطائفة العلوية الذين يمكن أن يشكلوا بنظر النظام بدائل سياسية أو حزبية محتملة لعائلة الأسد، ونذكر منهم على سبيل المثال لاالحصر : اللواء محمد عمران ، اللواء صلاح جديد ، اللواء غازي كنعان ، ، و الدكتور محمد الفاضل السياسي السوري والوطني المعروف . والشاعر الشاب حسن الخير . 

ــ المجازر الجماعية ذات الصبغة الطئفية التي أعقبت حدث مدرسة المدفعية في 16 حزيران 1979،( والذي  كان بدوره  سلوكا طائفيا بامتياز )، والتي أودت  بحياة عشرات الآلاف من المواطنين السوريين الأبرياء في كل من حلب وحماه وتدمر وجسر الشغور  ومعرة النعمان وغيرها من المدن السورية ، وأدت بالتالي إلى تشريد عشرات الألوف من أبناء هذه المدن المنكوبة والذين مضى على تشردهم في كل أنحاء المعمورة  مايزيد على ربع القرن ، دون أن تلوح أمامهم  أية بارقة  أمل في إمكانية عودتهم إلى وطنهم وبيوتههم !!

ويرغب الكاتب هنا  أن يتساءل ، عن الفارق بين سلوك النظام السوري حيال مشردي 1982 السوريين ، وسلوك الكيان الصهيوني حيال  اللاجئين والنازحين الفلسطينيين الذين شردهم هذا الكيان عامي 1948 و 1967 ، وما زال يصر على عدم عودتهم حتى هذه اللحظة  إلى ديارهم التي شردوا منها ، والتي ماتزال مفاتيحها في حوزتهم  ؟! .  وإذا ماسمحت لنفسي أن أجيب على هذا التساؤل المشروع ، فإن جوابي الصريح ، هو مع الأسف الشديد : لافرق !!!.

ــ  التصفية السياسية لقيادات وللعناصر الفعالة في كافة الأحزاب والقوى والجماعات السياسية والثقافية والدينية المعارضة  ، وذلك عبر زج هذه القيادات والعناصرفي غياهب السجون  إلى أن تنتهي صلاحياتهم السياسية والحزبية والشعبية ، حتى و لو تطلب ذلك حبسهم دون سؤال أو جواب أكثر من عقدين من الزمن(وهو مايمثل قرابة  نصف عمرهم الفعّال والمنتج ) ، كما هي حال العديد من القياديين المناضلين  في حزب البعث بجناحيه القومي (ميشيل عفلق) والقطري (حركة23 شباط في سورية ) وفي الحزب العربي الإشتراكي ( أكرم الحوراني ) وفي الحزب الشيوعي ـ المكتب السياسي (رياض الترك ) ، وفي حزب العمل الشيوعي ( فاتح جاموس ) ، وفي حزب الآتحاد الإشتراكي الديمقراطي العربي( جمال  أتاسي ) ، وفي جماعة الإخوان المسلمين في سورية  ( علي صدر الدين البيانوني) . ناهيك عن النائبين المعارضين رياض سيف، ومأمون الحمصي ، وعن عدد كبير من المحامين والإعلاميين والكتاب الشرفاء  من ممثلي منظمات حقوق الإنسان في سورية ، ومن الذين وقعوا إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي ، والذين وقعوا بيان دمشق ـ بيروت / بيروت ــ دمشق  مع زملاء لهم لبنانيين بهدف تحسين العلاقات الأخوية والقومية بين الشعبين الجارين في سورية ولبنان ولا سيما بعد عملية اغتيال االمرحومين كمال جنبلاط و رفيق الحريري وعدد آخر من صفوة المثقفين والإعلاميين  والسياسيين  اللبنانيين  المعارضين للهيمنة الأمنية المخابراتية والعسكرية السورية على لبنان.

ــ التصفية عن طريق القوانين القرقوشية ، ونعني هنا القانون 49 لعام 1980 بالذات ، والذي ينص على إنزال عقوبة الإعدام بحق كل من يثبت انتماؤه الحزبي لجماعة الإخوان المسلمين !!،  ويقوم النظام السوري وفقا لهذه اللعبة القانونية بإستصدار قانون يعتبر بموجبه   هذا الحزب أو ذاك حزبا محظورا قانونيا  ثم يقوم  بعد ذلك باصدار قانون ثان ينص على الحكم بالإعدام على كل من يخالف القانون الأول ، أنها اللعبة القذرة التي

مارسها ويمارسها النظام  ضد الشعب السوري عامة ، وضد المعارضة السورية خاصة . إن التسمية الحقيقية للقانون 49هي " قانون اجتثاث الإخوان المسلمين في سورية "

 ويرغب الكاتب هنا أيضا ان يتساءل عن الفارق السياسي بل والأ خلاقي بين قانون حافظ الأسد هذا ، وقانون بول بريمر الأمريكي ـ الإسرائيلي الذي أصدره عام 2003  ، وأطلق عليه قانون اجتثاث حزب البعث "  من العراق ، وإذا ماسمحت لنفسي ـ هنا أيضا ـ أن أجيب على هذا التساؤل المشروع ، فإن جوابي هو ، وبالفم المليان هو : لافرق !!!

3. الخائفون من عودة صدام :

إن هذه الزيارة المشبوهة لوليد المعلم ، للإلتقاء بعملاء أمريكا وإسرائيل في العراق ، إنما أملتها ـ حسب تقديرنا ـ  خوف أعداء صدام حسين ـ الرئيس الشرعي لجمهورية العراق ـ من إمكانية عودته إلى السلطة ، ولا سيما بعد تلك المحاكمة المهزلة المتعلقة بقضية الدجيل ، والتي أنهاها المحتلّون وعملاؤهم من العراقيين  بإصدار حكم الإعدام على تلك الصخرة الوطنية والقومية  الصلدة التي كانت تتحطم على مبادئها و مواقفها وإرادتها وإمكاناتها كل المؤامرات الأمريكية والبريطانية والصهيونة المناهضة للوحدة والحرية والإشتراكية في الوطن العربي . ويشمل هذا المعسكر  ، من وجهة نظرنا ، بصورة أساسية كلاً من :

ــ  جمهورية إيران الإسلامية ، التي هزمها صدام حسين في حرب الثمان سنوات ، والتي تعاونت مع الولايات المتحدة الأمريكية  في احتلالها لكل من افغانستان والعراق ، حسب ماصرح به السيد الخاتمي عندما كان رئيسا للجمهورية . والتي تقوم هذه الأيام  فرق الموت التابعة لها مباشرو أو مداورة وبالتعاون  مع كل من وزارة الداخلية العراقية ، وقوات عبد العزيز الحكيم ، ( قوات بدر ) وجيش المهدي التابع لمقتدى الصدر وقوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية ، والبشمركة الكردية ، بتصفية كل من كان له صلة أو علاقة بهزيمتها في حرب الثمان سنوات ، بمن في ذلك كبار ضباط الجيش العراقي ( الذي حله بول بريمر 2003 ) و العلماء ، وأساتذة الجامعات ، وشيوخ العشائر ، ورجال الدين .

ــ النظام السوري الطائفي الأسدي في دمشق ، الذي جاء به الأمريكان والرجعية العربية إلى السلطة في سورية 1970 ، وأوكلوا إليه أمور لبنان 1976 ، لكي يقوم هناك بمهمتين أساسيتين تخدمان المخطط الأمري ـ إسرائيلي في المنطقة هما1)تصفية المقاومة الفلسطينية  ومعها كافة القوى اليسارية والعلمانية التي كان يقودها المرحوم كمال جنبلاط ، والتي كانت  تساند أباعمار ومنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان .2) تأهيل وتطويع الشعب العربي اللبناني للإنخراط في مؤامرة الحل الشامل والعادل (!) ، والأرض مقابل السلام  (!) التي أبرمها حافظ الآسد مع كسنجر عام 1974 .

وحده صدام حسين من بين كافة الأنظمة العربية ومن بينها النظام السوري  كان يسبح ضد هذا التيار التصفوي المتشوق إلى الإعتراف بإسرائيل وطي صفحة  الصراع  معها  ، والذي وصفه وزير إعلام حافظ الأسد  المرحوم أحمد  اسكندرالأحمد  ، في مقالة منشورة له ذات يوم ( وهو مايعبر عن وجهة نظرحافظ الأسد نفسه) بالصراع العبثي . متناسيا وجود خمسة ملايين لاجئ ونازح فلسطيني في المنافي العربية والعالمية ، يعانون من الإغتراب ، وضنك العيش ، والوقوع المستمر في دائرة الإتهام والانتقام . إن موقف حافظ الأسد هذا هومايفسّر الصمت المريب على احتلال الجولان  منذ 1973 وحتى هذه اللحظة ويفسر بالتالي ذلك العداء الثابت للنظام السوري الطائفي  بجيليه ( الأب والإبن ) للنظام العراقي ولصدام حسين ، وتخوفه من عودة هذا النظام إلى السلطة على يد المقاومة العراقية البطلة ، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، ويفسر بالتالي  هرولة الأسد إلى المنطقة الخضراء ، داعما ومؤيدا للطائفية والاحتلال .

ــ الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل ، ولا أظنني بحاجة هنا إلى أي تفسير أو تعليل أو شرح . فهذا هو جورج بوش يعيش في القصر الجمهوري الذي بناه صدام في عاصمة الرشيد ، وهذا هو صدام حسين يعيش في السجن الذي بناه له جورج بوش  في عاصمة الرشيد أيضا  !! . إنها دراما الكوميديا الإلاهية  ، عش رجباً ترى عجباً

ــ الأنظمة العربية بصورة عامة ، وأنظمة ماسمي بـ " إعلان دمشق " ،والتي  تشمل ( لمن قد نسي ) كافة دول الخليج العربي ، مضافا إليها النظامان المصري ، والسوري  بطلا حفر الباطن بل حفر الظاهر والباطن معاً  ، إنها المهزلة  بشحمها ولحمها ، والتي تسمح لنا هنا  ان نضع  ألف إشارة تعجب وإستفهام  على مواقف هذه الدول ، ليس البارحة واليوم وحسب  وإنما غداً أيضاً ،  مضافا إليها  ـ أي لإشارات التعجب والإستفهام ــ  تفو على كل من يستحق هذه  التقدمة الرمزية من العرب والعجم بمناسبة عيد الأضحى المبارك  وعيد ميلاد السيد المسيح اللذان باتا على الأبواب .

ــ التيار العربي الليبرالي ، المطبل والمزمر للديمقراطية الغربية ، ولاسيما بعد سقوط الإتحاد السوفييتي ، وظهور مابات  يعرف بالنظام العالمي الجديد . وهذا هو السيد فلان الفلاني ( الأمين العام للحزب الشيوعي العراقي ) على سبيل المثال وليس الحصر  يقبل تعيين المندوب السامي الأمريكي بول بريمر له في مجلس الحكم عام 2003 كممثل عن " حصّة " (كود ) الشيعة في المجلس( مجلس المحاصصة الطائفية !! )، وليس ممثلا عن حزبه الشيوعي  ، فواعجبي ؟! .

4.

وفي إطار زيارة وليد المعلم ، وزير خارجية النظام السوري الأسدي  إلى المنطقة الخضراء في بغداد ، لتأييد ودعم كل من النظام الطائفي الحاكم هناك ، والقوات الأمريكية المحتلّة التي أتت بهذا النظام الطائفي ، يرغب الكاتب أن يضع بين يدي القارئ الكريم في ختام هذه المقالة تصوره الخاص لمسالة دور الأقليات (السلبي والإيجابي) في عملية التغير الاجتماعي بماهي ظاهرة إجتماعية خاضعة وقابلة للتحليل والتعليل العلمي السوسيولوجي ، وينص هذا التصور على مايلي :

" إن الأقليات الدينية و / أو القومية و / أو الطائفية و / أو  الجهوية و / أو  الطبقية و / أو الحزبية ،و/أو القبلية ، في أي مجتمع من المجتمعات البشرية ، يمكن ان تلعب دورا إيجابيا وتقدميا في عملية التغير الإجتماعي ، فقط عنما تكون في صفوف المعارضة للفئة الحاكمة . أما إذا ماوصلت إلى السلطة عن غير طريق صندوق الإقتراع ، فلابد أن ينقلب دورها إلى دور سلبي بالضرورة المنطقية والتطبيقية ، ذلك أنها لاتستطيع المحافظة على تلك السلطة التي وصلت إليها بالفوة ،إلاّ بقوة السلاح ، أي بالديكتاتورية العارية ، ويصبح صندوق الإقتراع عندئذ هو العدو الرئيسي لها ، ولا سيما إذا كان هذا الصندوق يمكن أن يؤدي إلى تحقيق شعار  التبادل السلمي للسلطة  . ويضع  بالتالي حد اً لسيطرتهم الأبدية على السلطة .

ويرغب الكاتب أن يشير هنا إلى أن جرثومة الشعور الأقلياتي ، ومنه الشعور الطائفي ،  لاتدخل عادة  أجسام ولا عقول ولا نفوس الأشخاص المناضلين التقدميين من أبناء هذه الأقليات ،  ولا سيما العلمانيين منهم . وإذا ما انتاب أحد من قارئي هذه المقالة مثل هذا الشعور ، فإن الكاتب لايملك إلاّ أن يقول له  بصورة أخوية وودية وعادلة : " اللّي ببطنو  حمّص بنفخو "

وسوم: العدد 826