بين المسلم "العربيّ"، والمسلم "المسيحيّ"، والمسلم "اليهوديّ" 2

د. محمد عناد سليمان

حوارٌ قرآنيّ

بين المسلم "العربيّ"،

والمسلم "المسيحيّ"، والمسلم "اليهوديّ"

2

د. محمد عناد سليمان

[email protected]

بيَّنا في مقالات سابقة اعتمادًا على منهج «تفسير القرآن بالقرآن» أنَّ «الإسلام» هو دين الله في الأرض، فقال تعالى: ]إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ}آل عمران19.

كما بينَّا أنَّ مصطلح «الإسلام» كما يوضِّحُه «القرآن الكريم» نفسه يعني: التَّوحيد، فلا ينبغي للإنسان أن يُشرك مع عبادة الله أحدًا، وقد أرسلَ الله جلَّ جلاله «الأنبياء» و«الرُّسل» من أجل دعوة النَّاس إلى ذلك، لا يُشركون بالله شيئًا، فهذا نبيُّ الله «نوح» u يدعو قومه إلى عبادة الله وحده، فقال تعالى: ]لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ}الأعراف59، ونظيره قوله تعالى على لسان نبيّه «هود» u]وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}الأعراف65، وقوله على لسان نبيِّه «صالح» u]وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ}الأعراف73، وقوله أيضًا على لسان نبيِّه «شعيب» u:]وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ}الأعراف85، ثم أجملَ سبحانه وتعالى وأكَّد أنَّ الغاية من إرسال «الرُّسُل» إنَّما هي دعوة النّاس إلى عبادته وحده فقال تعالى: ]وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}الأنبياء25، وقوله أيضًا: ]وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}النحل36.

والأمر ذاته لدى جميع الطَّوائف من «نصارى»، و«يهود»، و«عربٍ» فقال تعالى: ]وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}المائدة72، وقال أيضًا على لسان محمَّد e]قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}الكهف110.

فـ«الإسلام» الذي هو التَّوحيد كما تبيِّن هذه الآيات وغيرها، هي الدَّعوة والرِّسالة التي جاء بها الأنبياء والمرسلون يبلِّغونها أقوامهم، ويقابله «الشِّرك» بالله عزَّ وجلَّ، وهو عملٌ لا يغفره ربُّنا سبحانه وتعالى حيث قال: ]إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً}النساء116؛ بل إنَّ الله عزَّ وجلَّ بيَّن أنَّ الخسران والهلاك مآلُ مَنْ يَعْبدُ من دونه فقال تعالى: ]فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}الزمر15.

ولعلَّ هذه الآية واحدة من عشرات الآيات التي توضِّحُ صراحة أنَّ من النَّاس من يشرك بعبادة الله، ويتِّخذ من دونه آلهة، لكنّه في الوقت نفسه يبيِّن مصيرهم جزاء فعلهم هذا، وما القول بقتلهم، أو نحر رقابهم إلا تحريف لمعاني الآيات، وتحميل الألفاظ ما لا تحتمل.