سورية و بلدان عربية أخرى بين عيدين

أن يقع الخلاف بين الدول العربية، أو الإسلامية، في موضوع رؤية الهلال، ولاسيّما منها ذات خطوط العرض المتقاربة أمرٌ اعتدنا عليه، على الرغم من إنكاره ضمنًا؛ إذْ ينبغي عليها أن ترتقي في الإحساس بالانتماء إلى عالم القرن الواحد و العشرين، على شتى الصعُد.

فليس معقولًا أن نأخذ بالتكنولوجيا في جوانب، و نتركها في جوانب أخرى، فالمراصد الفلكية قد وصلت إلى مجموعات جُرمية، تبعد عنا ملايين السنيين الضوئية، و من غير المعقول ألّا تسعفنا في تحديد الخيط الأبيض من الأسود من الفجر، أو تحدّد لنا مطالع الهلال في مناسبات دينية يحتفي بها المسلمون.

أمّا أن يقع ذلك في البلد الواحد، ذي الجغرافية المحصورة و غير المترامية الأطراف، فذاك ما ينبغي أن نقف عنده مليًّا، و ندرس أسبابه و تداعياته، و نجد لها تفسيرًا مقنعًا، بعيدًا عن التشنّج و المكابرة.

لقد رأينا هذه الظاهرة في سورية بعد سنة 2011م، من غير مواربة أو تستّر، إذ أصبحت المناطق التي توصف بأنّها محررة أو خارجة عن سلطة النظام، تستأنس في التماس رؤية هلال شوال بما تسير عليه تركيا أو السعودية، من غير أن يكون هناك مرجعية شرعية تفتي في ذلك، و لمّا تشكّل المجلس الإسلامي السوري، أصبح هو الذي ينهض بعبء ذلك.

و قد توسع مدى هذه الظاهرة لتشمل بلدانًا أخرى، تعيش حالة متقاربة مع الحالة السورية، فهذه اليمن و كذا العراق، يحتفي فريق من أهلهما بقدوم عيد الفطر تزامنًا مع السعودية، و فريق آخر ينتظر ليكون عيده متزامنًا مع دول أخرى، و لنقلها صراحةً " مع إيران "، التي تعدّ المرجعية المذهبية لشريحة من أبناء كلتا الدولتين، مثلما هي مرجعية لعموم الشيعة في بلدان المنطقة.

نعم لقد كان الشيعة في العراق " أيام صدام حسين "، يصومون و يفطرون ظاهريًا مع العراق " الرسميّ "، و لكنهم عمليًا مع إيران، و يأخذون بمبدأ التقية في ذلك.

أمّا و قد آل الأمر إليهم في العراق و اليمن و لبنان، و قويت شوكتُهم في بلدان أخرى في المنطقة؛ فليس ثَمَّة داعٍ لأن يتقوا، و أصبحوا يجاهرون بذلك، كما جرى الأمر في عيد فطر هذا العام 1440.

إنّ الأمر أبعد من أن ينظر إليه مذهبيًا في بعض بلدان المنطقة؛ إذْ هو تعبير عن شرخ مجتمعي غير خافٍ عن المراقبين، فهو في سورية و اليمن على وجه الخصوص تعبيرٌ عن تموضع سياسيّ لكلا الفريقين، حدث بعد قدوم رياح التغيير في ربيع العرب، و هو إلى جانب ذلك مغلَّف برأيّ مذهبيّ أخذ يميل إليه كلٌّ من فريقي الموالاة و المعارضة، إذْ غدا النظام يميل فيهما، كما في العراق، إلى المذهب الاثني عشري، ترضية للحليف الإيرانيّ، و هو أمرٌ ينبغي ألَّا نغمض عنه العين بعد الآن. 

و يبدو أنّه باتَ صعيبًا أن يعود الأمرُ إلى سابق عهده في المستقبل القريب، و حتى المتوسط، فضلًا على البعيد.

وسوم: العدد 827