(( إنه لايفلح الظالمون ...))

من حكمة الله تبارك وتعالى أن تتبدل الأحوال ، ودوام الحال من المحال ــ كما يُقال ــ فلو جعل الله الليل سرمدا ، أو النهار سرمدا ، من غير هذا التعاقب الرائع ، لَمَـا استقامت حياة الخلق . ولو استمر حكم ظالم مدىَ أكثرَ مما قدَّر المولى له ، لَمَـا كان للناس طعم الحياة الدنيا التي وهبها لهم . ولكانت سمة الخوف والقلق والركون تملأ وجوههم ، وربما يتوقف التاريخ عن توثيق مجريات الأمور ، وعن تسجيل أسماء أخرى ذات بريق أكثر ... فحكمة الله بالغة ، ومعجزته باهرة ، ولن يحيط العقل البشري بتلك الحكمة ، ولن يدرك أسرار تلك المعجزة ، يقول تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) 164 / البقرة . فحركة الليل والنهار وسائر مافي هذا الوجود من آيات ، تدعو إلى التغيير الصحيح ، وليس إلى مايبعث على الإثارة الجوفاء ، أو إلى البهرج الذي يزيِّف الحقائق ويضع الأشرار في غير موضعهم ظلما وزورا ، ولقد صنع هذا البهرج العديد من الزعامات التي كانت شؤما ونكدا على الناس ، فأحدهم قائد مظفَّر جاءت به الأيام لإنقاذ الأمة ، وآخر قائد تاريخي لامثيل لإبداعاته العقلية ، وآخر جاء ومعه مفاتيح النصر والتحرير ... هؤلاء وأمثالهم داسوا على قيم الأمة ، وأحرقوا مشاعر الولاء لله ثمَّ للوطن التي تلتهب إيمانا ونخوة ومروءة ساعات النزال ، ودانوا ــ رغم عظمتهم المترهلة ــ لأتفه ماخلق الله من بني البشر ، وأهانوا بنفس المدة الزمنية رجال الدعوة الإسلامية ، ورواد الفكر القويم ، وانتزعوا قيم المجد والسؤدد التي نالتها الأمة في عقودها السالفة ، وأبدلتها بالمكائد المحصنة بالإرهاب والقسوة في العقاب الجائر على أيدي جلاوزتهم الذين فقدوا الضمير ، وباعوا حسَّهم الوطني للشيطان ،بل باعوا أنفسهم بكليتها لمَن لايشتريها بدرهم ، لأن زعيمهم هذا لايعترف حتى بعبوديتهم له ،والأدلة على ذلك لاتُحصى ، منها أن يحكم حتى يموت ، ولولا أن الله سبحانه قهر الخلق بالموت لاصطنع هؤلاء الشَّاذون أنواعا من الحكم ، وألوانا من التسلط ، ولأدموا صفحة الخلود بتصرفات إبليسية ، وارتكابات حيوانية لاندركها ...

في اختلاف الليل والنهار آيات وعِبر ، أغرت العقل الإنساني للبحث ، وأغرته لكي يتجاوز أوهام هؤلاء المجرمين الذين يعيشون بلا عقول ، ومن بحر الإعجاز العلمي في القرآن والسُّنة نغترف هذه الغرفة ، لنشهد ومضة من الآية الباهرة في إخلاف الليل والنهار ، وبالطبقات التي تحيط بالأرض التي يعيش على رحابها هؤلاء الفراعنة المغرورون ، فتحت عنوان : ( الغلاف الجوي للارض … واختلاف الليل والنهار ) جاء البيان المبين وننقله حرفيا كما جاء :

يقسم الغلاف الجوي للأرض الى سبع مناطق هي:

1- طبقة التروبوسفيرTroposphere: هي الطبقة الملاصقة لسطح الأرض، ويبلغ متوسط ارتفاعها حوالي 11كم فوق سطح البحر، وتمتاز هذه الطبقة بوجود بخار الماء وثاني أكسيدالكاربون وغاز الأوكسجين والنتروجين. تقل درجة حرارة الهواء وكثافته وضغطه والجزيئات الثقيلة كلما ارتفعنا إلى الأعلى في هذه الطبقة.

2- طبقة الستراتوسفيرStratosphere: يتراوح ارتفاعها ما بين 11كم و50 كم فوق سطح البحر وتحتوي على طبقة الأوزون حيث له القدرة على امتصاص 99% من الأشعة فوق البنفسجية المهلكة الصادرة من الشمس، ويتراوح ارتفاع غاز الأوزون داخل طبقة الستراتوسفير بين 20 و 30 كم فوق سطح البحر. وتتميز طبقة الستراتوسفير بالاستقرار التام في جوها، حيث ينعدم بخار الماء فيها، وتخلو من الظواهر الجوية.

3- طبقة الميزوسفيرMesophere: هي الطبقة التي تعلو الستراتوسفير، ويتراوح ارتفاعها بين 50 ـ 85 كم، فوق سطح البحر. وتتميز بتناقص مستمر في درجات الحرارة مع الارتفاع فوق سطح البحر، حتى تصبح درجة الحرارة في أعلى هذه الطبقة منخفضة جداً(حوالي 90 درجة مئوية تحت الصفر)، وهي أقل طبقات الغلاف الجوي في درجة حرارتها.

4- طبقة الأيونوسفيرIonosphere: تمتد هذه الطبقة من ارتفاع 85 كيلومتر إلى 700 كيلومتر تقريبا فوق سطح البحر، وتحتوي على كميات كبيرة من الأوكسجين والنيتروجين المتأين والإلكترونات الحرة(بعد تأين جزيئات الأكسجين والنيتروجين المتعادلة بفعل الأشعة السينيةX-ray)، وهي مقسمة إلى ثلاث طبقات داخلية D.E.Fولكل منها خصائصه المميزة، ويتغير سمكها بتغير الليل والنهار وبتغير الفصول والنشاط في الشمس (البقع والانفجاريات الشمسية).

5- طبقات الثرموسفير:Thermosphere: وهي الطبقة الممتدة من ارتفاع 80 كم وحتى 200 كم فوق سطح البحر، ودرجة حرارة هذه الطبقة تتراوح ما بين 180كلفن و1800كلفن، وان سبب هذه الزيادة في درجة الحرارة يعود إلى امتصاص المكونات الجوية في هذه الطبقة للأشعة فوق البنفسجية ذات الطاقة العالية (والمسماة XUVأو EUV) وقد تنفذ الجسيمات عالية الطاقة في المجال المغناطيسي للأرض، وتتفاعل مع المناطق العليا من الغلاف الجوي مولدة حرارة إضافية.

6- طبقة الإكسوسفيرExosphere: يتراوح ارتفاعها بين 700 كم و35000 كم فوق سطح البحر، وهي قليلة الكثافة لذلك فإن الجزيئات في هذه الطبقة تكون لها حرية في الحركة تسمح بهروبها من الغلاف الجوي للأرض (إذا كانت سرعتها الحرارية أكبر من السرعة الحرجة اللازمة للتغلب على جاذبية الأرض). ومن الطبيعي أن تتركز جزيئات الغازات الخفيفة (مثل الهيدروجين والهليوم) في طبقات الجو العليا، وبسرعات عالية.

7- الماجنتوسفير Magnetosphere: يمتد المجال المغناطيسي للأرض ويشكل غلافاً حولها إلى مسافة 50000 كم ويقوم هذا الغلاف المغناطيسي إما بصد الجسيمات المشحونة القادمة من الفضاء الخارجي، وإما باصطيادها واقتيادها ناحية قطبي الأرض المغناطيسي وقد أطلق على هذه الأحزمة الإشعاعية اسم (أحزمة فان ألن) [6].

إن اختلاف الليل والنهار يتجلى في اختلاف مكونات هذه الطبقات من كثافة الكترونية ودرجة حرارة وضغط ما بين الليل والنهار وقد أوضحت الدراسات الحديثة هذا الاختلاف ما بين الليل والنهار وبالأخص ما يتعلق بطبقة الإيونوسفير لأهميتها للإنسان لاحتوائها على طبقة الأوزون التي تعتبر من نعم الله الكبيرة على الإنسان وسائر المخلوقات بالأرض التي تمتص الأشعة الفوق البنفسجية ذات الطاقة العالية ويمكنها أن تهلك الحياة على الأرض والتي تسبب سرطان الجلد إذا تعرض لها الإنسان، وتقسم مناطق الإيونوسفير إلى عدة طبقات حسب اختلاف الكثافة الالكترونية فيها فهي في النهار ثلاث طبقات Dو Eو Fوتنقسم طبقة F إلى طبقتين F1و F2 ... ) انتهى النص المنقول .

لايخامرنا الشك في أن جميع الذين لم يؤمنوا بالله واليوم الآخر هم كالأنعام بل هم أضل .لأن الذي شهدت عيناه صنع الله الذي أتقن كل شيء ،وسمع بما جاءت به النبوَّة ، ولا يسجد في محراب الهدى ليس له عقل وليس لديه تقدير ، فيكون تصرفه تصرف الوحش في الغاب ، يقتل بالناب والمخلب ، ويعتدي في الليل والنهار ، ويتسلط باستكباره ، وبهذه النقائص أوقعوا الناس في مستنقعات التبعية والتخلف ، إنه الظُّلم كان ولم يزل ثوب الطغاة والفراعنة ، الغافلين عن حقيقة تقلب الليل والنهار ، وعن عظمة الله في حكمته ، وفي إمهاله للظالم ، فويل للظالم في عاجله وفي آجله ، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى : (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرماً ؛ فلا تظالموا … ) رواه مسلم ، ونهى الله عبادَه عن ظلم بعضهم ، يقول سبحانه : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرماً ؛ فلا تظالموا …)  ولعلها البُشرى التي نزفها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، بشرى من الله المنتقم الجبار حيث لن ينجو الظالم من بطش الله في الدنيا ، ومن شديد العذاب يوم القيامة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) متفق عليه ، ولتطمئن الأمهات الثكالى الذين قطَّعت أكبادهن خناجر الظلم ، وليرفعن دعواتهن إلى الله ، فإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين أرسله إلى اليمن : (واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب) و يقول صلى الله عليه وسلم : ( دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبوابَ السماء، ويقول لها الرب: وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعدَ حين ) .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )  : ثلاثة لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ رواه الترمذي

أمة محمد : لاتحزني ، وأبشري ،  إنه لايفلح الظالمون ...

وسوم: العدد 828