أهل الحلول الوسط

[من مقال منشور في مجلة البيان – العدد 218]

إنهم الذين نظروا إلى شدة المحن التي يتعرض لها المؤمن فرأوا أن التمسك بقيم الإسلام مما يصعب في مثل هذه الظروف لأن أعداء هذا الدين لا يرضون بذلك، بل يوجهون حربهم إلى هؤلاء الثابتين الذين يطلقون عليهم تارة: الأصوليين، وتارة: المتشددين، وتارة: الإرهابيين. والخطير في الأمر في هذه المواقف أنها تُغطّى بشبه شرعية، ويحاول أصحابها أن يؤصلوا مواقفهم هذه بأدلة يزعمون أنها قواعد شرعية مع أنها غير منضبطة بضوابط الشرع، ولا ملتزمة بمقاصده؛ كاستدلالهم مثلاً بالضرورة وأحكامها، وقواعد التيسير ورفع الحرج، وبالمصالح المرسلة وغيرها مما هي صحيحة في أصلها ولكنها فاسدة في تطبيقها.

وعلامة أصحاب هذا الموقف أنهم يصفون أنفسهم بالاعتدال أو الوسطية. وهذه المواقف ما كانت لتُعرف لولا سُنّة الابتلاء التي تمحص وتميز الصفوف ويكشف الله بها كوامن النفوس التي يعلمها الله مسبقاً، لكنه سبحانه يظهرها للناس بفعل سنّة الابتلاء والتمحيص، وصدق الله العظيم: (ما كان اللهُ ليَذَرَ المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يَمِيزَ الخبيثَ من الطيّب، وما كان الله ليُطلعَكم على الغيب). {سورة آل عمران: 179}.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المتمسّك بدينه في آخر الزمان يُعَدُّ غريباً بين الناس، ووصفه بأنه كالقابض على الجمر، وهذا الوصف لا يقدر عليه إلا أولو العزم من المؤمنين الصابرين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء. قيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: الذين يُصلحون ما أفسد الناس". رواه الترمذي.

وقال صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمانٌ الصابرُ فيهم على دينه كالقابض على الجمر". رواه أحمد والترمذي.

ولا يخفى على من يراقب اليوم كثيراً من الفتاوى والحوارات التي تقوم بها بعض الصحف والمجلات والقنوات الفضائية ما تحمل من هذه المواقف المتميعة التي يحاول أصحابها أن يتشبثوا في الاقتناع بها بأدنى شبهة أو أدنى قول شاذ يخالفه الدليل الصحيح من الكتاب والسنّة، وهذه المواقف والفتاوى لم تقتصر على الأحكام فحسب، بل تعدتها إلى أصول العقيدة وأركانها، وبخاصة ما يتعلق بمسائل الإيمان والكفر وحدودهما، أو بمسائل الولاء والبراء، أو ما يتعلق بالجهاد وأحكامه. والمقصود أن سُنّة الابتلاء والتمحيص التي نعيشها هذه الأيام قد أفرزت مثل هذه المواقف ولله عز وجل الحكمة في ذلك.

وسوم: العدد 832