اللسان الذي أكله القط

وهذا مثل شعبي قديم . يضربه عامة الناس للرجل أو الجماعة يعجز أو يعجزون عن الوفاء بحقوق أنفسهم . أو شرح قضيتهم ، أو الدفاع عنها .

وسمى القرآن الكريم هؤلاء في سياق آخر : ( فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ..) وانظر تناسب المعطوفين وتتابعهم وتدرجهم .

وقال في سياق ثالث معللا ضعف المرأة بتربيتها على الترفع والدلال ( أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) فعموم النساء بسبب الحياء الملازم لتربيتهن لا يقدرن على الدفاع عن أنفسهن في خصومة . ووصف المرأة بالحياء وصف مدح شائع عند العرب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياء من العذراء في خدرها . فهل من الحياء أن يكون الرجل أو المرأة أو الجماعة من الناس ممن لا يرد يد لامس ، ولا افتراء مفتر ، ولا كيد كائد ..أظنها تحتاج عند البعض إلى كثير من التفكير .

عندما يتحدثون عن أولويات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في المدينة ، قليل من يذكر أنه مع بناء المسجد ، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، وكتابة الصحيفة الوثيقة ؛ انتدب لدعوته شاعرا يزود عنه وعنه ويرد على أعدائها . وأنه عندما عرض عليه بعض الشعراء المجيدين أنفسهم مثل كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة جزّاهم خيرا حتى صار الأمر إلى الشاعر الأجود حسان .

وأعود إلى اللسان الذي أكله القط ...

 لآؤكد حقيقة مؤلمة فاجعة قاصمة وهي أن الإخفاق الذي نُكب به السوريون في واقع حالهم لم يكن فقط ذلك الذي وقع عليهم في الميدان نتيجة حرمانهم من السلاح المناسب ، ونتيجة مكر العالم بهم ، وتآمر الكثيرين عليهم .... ُبل إن الإخفاق الأكبر كان في ميدان " الكلمة " الكلمة الموظفة ، والكلمة المعوّمة ، ّ والكلمة المرسلة، والكلمة الشاردة ، والكلمة الطائشة ، والكلمة المهملة ؛ وكل كلمة من هذه الكلمات يمكن أن يُكتب فيها مقال ، ويُفتح حولها بحث ودرس وتحقيق ..

وكل هذا " واللسان الذي أكله القط " غائب أو مغيب بفعل فاعل، أو بإهمال مهمل ، أو بعجز عاجز ، أو بادعاء مدع ..

وأصبحنا في مشهدنا السوري كما قال الأول :

لقد عظم البعير بغير لب .. فلم يستغن بالعظم البعير

يذلل ثم يُضرب بالهراوى .. فلا عرف لديه ولا نكير

أكتب هذا وأنا أتابع انشغال ألسنة السوريين ببعضهم . وتشاغلهم عن نصرة حقهم الأبلج كوجه الشمس في قسمات قضيتهم ..

كثير منهم يتكلم في الأمر العظيم وهو لايدري عن قواعد النحو ولا قواعد الفقه ، ولا قواعد السياسة ولاقواعد الكلام ولا آدابه . منذ أيام كنت أقرأ لمتكلم يظن نفسه مفوها لكثرة ما يستضيفه المستضيفون يقول : أعيته الحيلة في إقناعنا أن الدول تعمل لمصالحها . أحببت أن أقول له ونحن أعيتنا الحيلة أن نقنعك أن الألف لا شيء عليها وأن الباء نقطة من تحتها ؛ فخشيت أن أستجر . عندي نصيحة عابرة لشراب العرق من المعارضين السوريين أن لا يكتبوا وهم سكارى حتى يعلموا ما يقولون !!

أكتب هذا وأنا أتابع الدعاية السوداء تدب بها عناكب بل عقارب السوء الأسدية فتقتحم على السوريين مهاجرهم . وتقلقهم في ديارهم الجديدة وهي ديار كرام آووا ونصروا وقدموا وهم مستعدون أن يعطوا أكثرلو كان للسوريين حسن مري وجميل إبساس ..

فقد علمت االعرب أنه حتى الضرع يحتاج إلى ما قال الحطيئة :

ولقد مريتكمُ لو أن درتكم ... يجيء بها مدحي وإبساسي

تبسبس للكريمة الحلوب ، وتمسح الضرع وتطبطب عليه حتى يدر ، فتقول عن القوم والمضيفين : " لله درهم " أي ما أجمل وما أطيب وما أغزر درهم .

وهذا عدونا يهجونا بالباطل ، ويشوهنا بالافتراء ، وعملاؤه ينفخون في كير الإفك ، ومن ملكوا أمرنا مع كل ما في أيدينا من سطوع الحق يكبُون ..أو يكبُّون!!

كنا نتشكى من سمعة سيئة سبقتنا إلى اندونيسيا وماليزيا أو إلى بوليفيا والبرازيل ، واليوم نشكو من ذلك في دول الجوار التي تحيط بنا بين أهل جيرتنا وشركائنا في مصيبتنا . ونظل نسب الشيطان والاستعمار والمؤامرة ولم نقف يوما أمام المرآة نستطلع قسمات عجزنا وتقصيرنا ...!!

يقول الرسول الكريم لحسان : اذهب إلى أبي بكر يخبرك عن حقيقة القوم ، أنسابهم وأخبارهم . الإعلام علم وليس مجرد كلام .!! والكلمة كَلم يفتح فلا يغلق .

كل ما يقال في الشعب السوري السوري ، وكل ما يقال في الثورة السورية ، وكل ما يقال عن الثوار السوريين ، وكل ما يقال في المهجرين السوريين من سوء وتشكيك تنتجه مراكز دراسات مختصة ، أظلم إن قلت نازية أو فاشية أو ستالينية ، فقد تجاوزت عنصرية ، ما بعد الحداثة ، هذه المصطلحات بأشواط وأمداء لا تحد.. عنصرية القرن الحادي والعشرين على لسان ترامب بلغت حدا أن يدينها الكونغرس الأمريكي . هذه هي العنصرية الترامبية البوتينية الصهيونية الصفوية والعميّة أيضا هي التي تفتك بالسوريين فتؤلب عليهم مهاجرهم ، وتقض مضاجعهم . وهم في غمراتهم ...

عناكب السوء تنسج حول السوريين السوريين وحول ثوارهم ومهجريهم أوهن البيوت ، ولكن الذين أكل لسانهم القط لا يستطيعون ..وربنا أخبرنا ( وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ).

كثيرا ما نسمع القادة والمحللين يتحدثون عن ضرورة وجود غرف عمليات ثورية موحدة تقود المشهد العملياتي في مواجهة ما يخطط له من يرصدون تحركات ثوارنا عبر الأقمار الصناعية الروسية والأمريكية والصهيونية متعددة الجنسيات .... ونعمت الدعوة هي ؛ ولكن لا يقل عنها شأنا وشأوا وضرورة وإلحاحا أن تكون لنا غرفة عمليات موحدة للموقف نتخذه ، وللبيان نصدره ، وللتصريح نصرح به ، وللمقال نكتبه ، وللقصيدة ننظمها . غرفة عمليات تبين للسوريين السوريين الأسس ، وتوضح لهم القواعد ، وتحدد لهم قوس الرماية ..

غرفة عمليات لقصف الكلمات ، سلاحها المصداقية والعلمية ، والوعي والإدراك ..

أتساءل كيف يغلبنا الهوام على عقول أهلينا وأبنائنا وإخواننا بالافتراء والبهتان ، ونحن صمت خفت كقبور وعظت يوما أبا نواس فأرته نفسه في القبور وهو حي لم يمت كما يرى كثير من السوريين أنفسهم اليوم ..

وعظتك أجداث صمت .. ونعتك أزمنة خُفت

وأرتك نفسك في القبو ... ، وأنت حي لم تمت

يعتقد عامة الناس في وطننا أن ثمة فرقا بين الجسد الحي وبين شل التبن . ولكن بعض الناس لا يعلمون !! فربما هذه النظرية تحتاج منا إلى برهان كبير .

وقال كبير وفد تميم حين جاء يفاخر في مسجد رسول الله : إن هذا الرجل لمؤتّى ، بتشديد التاء ، لخطيبه أفصح من خطيبنا . وشاعره أشعر من شاعرنا .

( نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ).

أيها السوريون السوريون : بشراكم .. يزفها إليكم مولاكم .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 834