صفحات تاريخنا المعاصر بين التشويه والتوجيه !

إن المتتبع للكتابة التاريخية في القرن العشرين التي تعالج العلاقات العربية التركية ، و كذلك المسلسلات التاريخية في عدد من وسائل الإعلام يعجب بل و يذهل من تركيزها على  السنوات الأخيرة من حياة الخلافة العثمانية وحصرها في سيطرة الاتحاد و الترقي و توجيهه للأحداث بدءا من عام 1908 !؟ فالتاريخ يختصر فترة التشكيل و الانتصارات و النقط المضيئة والفتوحات اختصارا مخلا و إذا تحدث عنها فإنه يصفها بحكم السلاطين والهيمنة و التقوقع الذي حرم الشعوب المنضوية تحت ظل الخلافة من الانفتاح على العالم والمشاركة في النهضة التي بدأت أوربا تشهدها ؟!

مع تناسي حجم التآمر على العالم الإسلامي آنذاك و الجهود  العملاقة التي بذلها كثير من هؤلاء السلاطين في الحفاظ على بلاد المسلمين!؟

ومثل ذلك فعل عدد من المسلسلات ، في صورة تفتقر إلى الصدق والموضوعية ،فهي تشارك عن وعي منها أو عن غير وعي الدوائر الاستعمارية التي زيفت تاريخ هذه الفترة و جهدت على إبراز العلاقة بين العرب و الأتراك و غيرهم من الشعوب الإسلامية على أنها علاقة استيلاء و استعلاء و استلاب ، في حرص شديد على تمزيق أنواع الروابط و الوشائج المعنوية و المادية و تشويه الصورة الحقيقية لتلك العلاقات ، يقول الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين مفندا تلك الافتراءات في بيان له أمام  اللجنة البريطانية الموفدة إلى فلسطين في 12يناير عام 1937م ! لقد كان العرب يؤلفون جزءا مهما من كيان الدولة العثمانية! ومن الخطأ أن يقال : إن العرب كانوا تحت نير عبودية الأتراك و أن نهضتهم  ومساعدة الحلفاء لهم في الحرب العامة إنما كانت ترمي إلى تحريرهم من ذلك النير؟!

و يضيف : لقد كان العرب يشاطرون الأتراك جميع مناصب الدولة المدنية و العسكرية ، فكان منهم وزراء و رؤساء وزارات وقواد فيالق وفرق ، وسفراء وولاة ومتصرفون ، كما كانوا في مجلس النواب و الأعيان بحسب نسبة أعدادهم وفقا للدستور و قانون الانتخاب ..

و تلك شهادة حق من رجل نذر نفسه لفلسطين و أمته و عاصر تلك الفترة و شهد مجريات الأحداث ! فلماذا لا يعتمد على تلك الشهادات و أمثالها لتكون وثائق تصحح وتصوب ما سطره مؤرخون معروفون بنزعاتهم المريبة و توجهاتهم المشبوهة  وقد سطروا ما سطروا في أجواء سايكس بيكو ، والبعثات التعليمية ومناهجها التربوية التي استطاعت أن تبث هذه الأباطيل في عقول جيلين أو ثلاثة أجيال على أنها حقائق تاريخية ثابتة ، بينما هي في ميزان التوثيق و النظرة الواقعية المجردة لا يقوم لها أساس ؟!

يراجع كتاب  ( صفحات من حياة الحاج أمين  الحسيني  ) تأليف  : عوني جدوع العبيدي

وسوم: العدد 835