هل باتَتْ تركيا أمام خيارات الضرورة في إدلب ؟

يؤكِّد المراقبون أنّ التصعيد العسكريّ في إدلب، قد وضع الجميع أمام خيارات الضرورة، التي يصعب تجاوزها، ولاسيّما ما يتعلّق منها بالضامن التركيّ، الذي لم يعد أمامه كثير من الوقت، للنظر فيما يمكن أن يقوم به، كي يثبت أنّه لاعبٌ محوريّ في الملف السوريّ.   

فلقد أثارت المعارك العنيفة التي تشهدها إدلب، وتقدم النظام في بعض البلدات بدعم من روسيا وإيران، تساؤلات حول مصير نقاط المراقبة التركية في هذه المنطقة، وخيارات أنقرة في التعامل مع تلك التطورات.

ففي حال تمكن النظام من فرض سيطرته على مدينة خان شيخون، فسيتمّ حصار نقطة المراقبة التركية المتمركزة في بلدة مورك في ريف حماة الشمالي، وقطع طرق الإمداد عنها.

و هو الأمر الذي جعل الضباط الأتراك، يؤكِّدون لوفد من أهالي المنطقة، أن تركيا ليست في وارد الانسحاب من نقاط المراقبة في إدلب، و أنّ قواتها ستتعامل عسكريا مع القوات التي تريد محاصرة تلك النقطة.

و ذلك تقديرًا منهم أنّ سحب أيّ من نقاطها الثلاثة عشر، يشكل خطرًا على الأمن القومي التركي، و انحسارًا لدورها في ملف إدلب، و من ورائه الملف السوريّ برمته.

و هم يروون أنّ التقدم العسكري الحاصل في إدلب، هو بقرار من روسيا بغية خلط الأوراق على التفاهمات التركية-الأمريكية في ملف شرق الفرات، وثنيها عن إنشاء المنطقة الآمنة، التي ستفقد دواعي وجودها إذا سقطت إدلب، فلن يقف الأمر عند حدودها آنذاك؛ إذْ ستطال تداعياتها مناطق درع الفرات في ريف حلب الشمالي، و غصن الزيتون في عفرين.

و عليه يذهب عددٌ من المراقبين، بما فيهم الأتراك، إلى أنّ صمت تركيا على ما يجري في إدلب لن يدوم طويلًا، وأنّ الساعات القادمة ستكون حاسمة، في إظهار جدية الموقف تركي، بما يحدّ من تمدد النظام، وإيقاف القصف الهمجي الروسيّ.

هذا إلى جانب تعزيز وجودها في تلك النقاط، بالتوازي مع زيادة دعمها الفصائل لصد هذه الهجمات؛ فالمعارك في إدلب، ليست بين فصائل المعارضة وقوات النظام، بل تعدّتها لتكون بين الدول الضامنة عن النظام وبين المعارضة، و من واجب تركيا ألّا تسمح بسحق المعارضة و انكسارها.

و غير بعيد أن يكون حملُها هيئة تحرير الشام للسماح لفصائل الجيش الوطني، للتحرّك نحو شمال حماة و جنوب إدلب، ضمن مساعيها في هذا السياق، و لا يبعد أن يكون إسقاط المعارضة طائرة السيخوي 22، في ريف إدلب الجنوبي، يوم الأربعاء:14/ 8 الجاري، ضمن تلك التحرّكات.

و بالتوازي مع ذلك فإنّ تركيا ـ بحسب ما يرى عدد من المراقبين ـ ستقدم بشكل جديّ هذه المرة على معالجة ملف هيئة تحرير الشام، و ذلك إيفاءً بالتزاماتها في سوتشي، ولاسيّما بعدما ظهرتْ محدوديةُ قدرتها في الدفاع عن إدلب، عقب استئناف التصعيد العسكري، و إحراز تقدّم باتجاه خان شيخون، و تعقيد المشهد منها بتلكؤها في السماح لألوية الجيش الوطني، بمؤازرة الجبهة الوطنية، و تشكيل غرفة عمليات معها، من دونها.

و هو ما لن تتهاون بشأنه تركيا هذه المرة بحسب مصادر مطلعة، واكبت الاجتماعات التي عقدتها تلك الأطراف مع قيادة الهيئة؛ إذْ باتّتْ تنظر تركيا إلى المسألة بشكل أكثر جدية، و هي ترى في المؤتمر الصحفي للشيخ أبي محمد الجولاني فرصةً اهتبلها تحالف النظام، نتج عنه قضم مزيد من المناطق؛ ما سيجعل الرئيس بوتين يذهب إلى قمة استنبول في: 11/ 9 القادم، و في يده مزيد من أوراق الضغط على الرئيس أردوغان.

و لعلّ ما يحمل تركيا على المضي في هذا الاتجاه، ما أخذ يتسرّب من مساعي الهيئة لفرض المزيد من أشكال سيطرتها على مرافق الحياة في إدلب، و عدم تناغمها مع الرغبة  التركية في تشكيل حكومة عبد الرحمن مصطفى، لتكون بديلًا عن حكومتي: الانقاذ و المؤقتة، في إدارة عموم مناطق الشمال الخاضعة لهيمنة الفصائل.

و قد نقلتْ مصادر مقربة من المسؤولين الأتراك امتعاضَهم الشديد من قيام الهيئة باستبعاد عناصر من تشكيلات المجالس المحلية، و غيرها من المؤسسات المدنية؛ بشبهة انتمائهم إلى جماعة الإخوان المسلمين، و الجماعات الأخرى التي تعدّ حليفة لتركيا في المشهد االسوريّ.

وسوم: العدد 838