ثقافة التوريث

التوريث في المؤسسات الخاصة؛ أمر طبيعي، فالأب يورث أبناءه من أملاكه الخاصة، وهذه سنة الحياة.

ولكن أن يورث الرئيس أبنه مقعد الرئاسة، ويفرضه على الشعب فرضا، وكأن البلد مزرعة خاصة به وبأبنائه! فهذا الأمر غير مقبول بحال من الأحوال! وهذا الذي يؤدي إلى اضطراب، وفتن في الحياة السياسية، والاجتماعية...

لأنه مخالف لشريعة الإسلام التي تؤكد على (القوّة، والأمانة) في الشخص المرشّح للولايات العامة، وما يحصل في سورية من تدمير وتخريب وتقتيل وتشريد... هو نتيجة لهذه السياسة الخرقاء المخالفة لقانون (السماء، والأرض).

والمشكلة أن هذه الثقافة أصبحت القاعدة الأساسية في المؤسسات العامة على اختلاف وتنوعها...

فكل من يتولى مؤسسة من مؤسسات الشعب يهيئ ابنه ليكون ولي العهد من بعده، ولذلك يكون مسؤولا عن كلّ كبيرة وصغيرة لا لشيء إلا لأنه ابن المدير وبالتالي فكل العاملين في المؤسسة يتقربون إليه ويبتغون رضاه...

وإذا وجدت معارضة له من البعض فمصيرهم الإهمال والتضييق ثم الطرد على مبدأ (لا تعترض فتنطرد).

فهذا الثقافة المنتشرة في مؤسساتنا هي الداء العضال الذي يعيق كل المشاريع النهضوية...

فكيف نتخلص منه؟

المشكلة أن بعضهم يرفع شعارات الوطنية، وبعضهم يرفع شعار الحداثة، وبعضهم يرفع شعار القومية، والاسوأ منهم هؤلاء الذين يرفعون شعار الإسلام!! وهم لا يمتون إلى الإسلام بصلة، ولا يعرفون أدنى تفصيل عن الإدارة في الإسلام، أو يعرفون لا يطبقون!!

إذن مشكلتنا بالدرجة الأولى مشكلة ثقافية من القاعدة إلى القمة! فما دمنا نسكت عن الانحراف خوفًا أو مصلحة، ولا أحد يستطيع أن يقول للظالم: (لا) طالما يعمل في مزرعته! فسنبقى عبيدا شئنا أم أبينا!!

لماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إَنْ تَوَلَّى مِنْ أُمَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَأَعْلَمُ مِنْهُ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَقَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَجَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ).

وإذا اطلعت على وضع المؤسسات التي فتحت باسم الثورة وبأموال المحسنين تجدها وراثية و(مناطقية) كذلك!

فهل نستطيع أن نقول بعد ذلك: هذه هي الإدارة في الإسلام؟

طبعا: (لا)

أو نقول: إن مؤسساتنا أحسن من مؤسسات النظام المجرم؟

طبعا: (لا)

فما الحل إذن؟

الحل ألا نسكت على مسيرة الانحراف وثقافة التوريث والمناطقية... فلننقذ المؤسسات الثورية من هذه الثقافة القاتلة.

سكتنا نصف قرن من الزمان على انحرافات الأنظمة؛ فأدى بنا سكوتنا إلى هذا الوضع المأساوي! فهل نسكت على هذا الانحراف بعد أن ضحينا بكل شيء؟

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))؛ رواه مسلم

هذا هو الطريق الوحيد، فعندما نمارس ثقافة النقد البناء، ونقول: لا لثقافة التوريث والمناطقية...سندفع الثمن غاليا، وكل من يمارس حقه في النقد سيتعرض لما تعرض له المصلحون!!

سيحاربونه بكل الوسائل المسموعة، والمرئية، والمكتوبة؛ لتشويه سمعته واسكاته ليكون عبرة لمن يعتبر.

ولكن لا مناص لنا إلا بذلك! إذ من الواجب علينا تحرير أنفسنا وتصحيح أوضاعنا إذا ما أردنا ان نعيش كبشر نحافظ على آدميتنا وكرامتنا وحقوقنا.

وسوم: العدد 841