هل أخذَ زمنُ الحالِمين في سورية في الأُفول؟

بعيدًا عمّا يقال، و عمّا يتمّ تصديره إلى الحواضن المحازبة لهذا الطرف أو ذاك؛ فإنّ الأمور في الآونة الأخيرة قد تكشّفت عن أمرين لا ثالث لهما، يقودان إلى نتيجة باتَتْ ملامحها واضحة، و لا تحتاج إلى كبير عناء للوقوف على جوهرها.

فثَمَّة اتفاقٌ قد توصّلت إليه الأطراف الثلاثة الكبرى المتدخِّلة في الملف السوريّ، يُفضي إلى ضرورة إنهاء النزاع المسلح في سورية، و ليس بعيدًا بحسب رأي طائفة من المراقبين، أن تكون طاولة مستديرة، قد جمعت هؤلاء الأقطاب الثلاثة، في مكان ما، في وقت ليس ببعيد، خلصوا عقبها إلى القراءة في صفحات خواتيم الأزمة السورية، آخذين بعين الاعتبار هذين الأمرين:

1ـ ضرورة الحفاظ على مناطق النفوذ لكلٍّ منهم، و عدم السماح في التجاوز عليها من أيّ طرف كان، تحت طائلة المحاسبة الشديدة، لمن تسوِّل له نفسه بذلك، و لتكن الرسالة واضحة من خلال تغريدة الرئيس ترامب: بأنّه في حال تجاوز تركيا ما هو متفق عليه فإنّه سيمحو الاقتصاد التركي عن الخارطة.

و هو الأمر الذي سيطال غير تركيا بالطبع، و غير بعيد عن ذلك إيران التي وصلتها الرسالة من خلال الصاروخين اللذين طالا إحدى ناقلات نفطها في البحر الأحمر، مع وصول ثلاثة ألاف جندي إلى السعودية، لبناء شبكة دفاع جويّ، تسدّ الثغرة التي نفذت منها إيران عن طريق الحوثيين، إلى مرافق حيوية، كان آخرها شركة أرامكو.

مثلما طال رتلًا عسكريًا لقوات النظام قرب بلدة المنصورة غرب مدينة الرقة، حاول أن يتقدّم نحو المناطق التي تشغلها قوات قسد، بناء على اتفاق توصَّل إليه النظام مع تلك القوات رعته روسيا، يقضي بدخوله إلى مناطقها، للتصدي للقوات التركية، المصحوبة بعناصر الجيش الوطني المعارض.

و عليه فإن جملة الأنباء التي راجت عن دخول النظام إلى مناطق منبج و عين العرب، تبدو بحاجة إلى كثير من الواقعية، حتى تحظى بالمصداقية، في ظلّ اتفاق الجنتلمان الذي جمع تلك الأطراف الرئيسة في الملف السوريّ ( أمريكا ـ روسيا ـ تركيا )، يفضي إلى ما أشرنا إليه من ضرورة الحفاظ على مناطق النفوذ لكلّ منهم.

2ـ ضرورة تنظيف المشهد السوريّ من الأطراف الحالمة، ذات المشاريع الانفصالية، على حساب الدولة المركزية، التي لم يُتخذ القرار بعدُ بإنهائها في عموم دول المنطقة.

فبالأمس كان الأمر مع ( داعش )، و اليوم مع ( قسد )، و غدا سيكون في ( إدلب ) حسبما تشير كثير من التوقعات، بناء على تفاهمات تمّت بين تلك الأطراف الثلاثة؛ فمن غير المعقول أن تضحي أمريكا بحلفائها المفترضين من وحدات الحماية الكردية، لتتسامح مع تركيا في الحفاظ على الوضع في إدلب من غير إحداث تغيير، يصب في سلة مساعي الحلّ المرتقب، ينطوي على التخلّي الطوعي من جميع الأطراف عن الجماعات التي تُحسب عليها، و تقف عائقًا في وجه أية تسوية قادمة.

هذان الأمران سيقودان إلى الولوج في الحلّ المرتقب في الملف السوريّ، و ليس ببعيد تصريح الرئيس بوتين بأن العمليات العسكرية في سورية قد انتهت، و أنّه لا حلَّ عسكريًا، و أنّ روسيا ليست معنية بالدفاع عن الأشخاص، بقدر ما هي معنية بإنجاز الحلّ السياسي.

مثلما يفهم أيضًا من تغريدة الرئيس ترامب، بأنهّ يجب الانتهاء من الحرب السخيفة التي تشهدها سورية منذ ثمان سنوات.

يرى المراقبون أنّ الجولة التي يقوم بها الرئيس بوتين إلى المنطقة، في محطتيها: الإماراتية، و السعودية، هي تتويج لجملة التفاهمات مع تلك الأطراف المعنية بالملف السوري، و أنّه جاء ليضع على الطاولة شكل الحلّ المرتقب، في انتظار دعمه من دول المنطقة الفاعلة، ذات التأثير المادي و السياسي.

هذا الحلّ الذي رشح منه أنّ يتمّ بموجب الدستور المرتقب، بأن تُجرى انتخابات عامة في سورية، بإشراف أمميّ، يفضي إلى انتقال سياسيّ، تبدأ بعده عملية إعادة الإعمار، و إعادة اللاجئين، و الأهمّ من ذلك الشروع في الاستثمار الاقتصادي؛ للتعويض عن حجم الإنفاق الهائل للدول التي تدخّلت في سورية، جريًا وراء مصالحها، على حساب مصالح السوريين.

وسوم: العدد 846