كرة الثلج مقدمة لجبل الثلج القادم

(لبيك سورية).. صرخة انطلقت من مصر الكنانة من فم الرئيس الشهيد محمد مرسي، هزت عروش وأركان دول شرقية وغربية، فهاجت وماجت ودبّرت وتآمرت حتى أطاحت بهذا الرئيس المؤمن؛ الذي اختاره الشعب المصري بإرادته الحرة، ثم دبرت قتله وإنهاء حياته ليكون عبرة لغيره ممن يفكر في نجدة سورية والوقوف إلى جانب ثورتها العظيمة، التي رغم ما أصابها من جراحات وآلام، وما تآمر عليها من عرب متصهينين وصفوين روافض وصليبيين حاقدين، لا تزال تنبض بالحياة تصدح حناجر جماهيرها (نحن معاك يا مصر حتى الموت)؛ تناغماً مع انتفاضة شعبها العظيم الذي يأبى الذل والخنوع، والذي انطلق في مظاهرات حاشدة غطت مدن مصر من شمالها إلى جنوبها، مطالبة بصوت واحد وشعار واحد: (ارحل يا سيسي)، فقد آتت حملة فيديوهات محمد علي أكلها فكانت كالقشة التي قصمت ظهر البعير؛ ملامسة قلوب المصريين وهواهم بعد غيبوبة؛ ظن البعض أنها ستطول وتطول، فإذا بهذه الجماهير تستفيق من رقدتها وتنتفض في كل المدن المصرية، وقد وجدت نفسها أمام حالة من استشراء الفساد وسوء الإدارة المالية في كل مؤسسات ووزارات حكومة السيسي، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية المصرية أمل المصريين وحصنهم الحصين، وقد صدمت الجماهير المصرية بما حل بهذه المؤسسة الوطنية من فساد، وبما ينفقه السيسي وحكومته من بزخ وإسراف على بناء القصور والفنادق والمشاريع الوهمية، في الوقت الذي كان فيه المصريون يعانون من الفاقة والحاجة؛ وحتى الجوع في بعض الحالات، وقد أثقلت كواهلهم الصعوبات الاقتصادية، لتجعل نحو ثمانين في المئة من الشعب المصري يعيشون على حافة الفقر أو تحت خط الفقر، وقد قضى السيسي وحكومته بشكل مدروس ومخطط له على الطبقة الوسطى، التي كانت تحمل على عاتقها ضخ الحياة في الاقتصاد المصري المترنح والمتآكل بفعل الفاسدين، الذين أوكل لهم السيسي مقدرات البلاد وخزائن مصر، والذي يتهاوى تحت وطأة المديونية ذات الأرقام الخيالية، فقد ارتفع الدين الخارجي أثناء فترة حكم السيسي من ستة وأربعين مليار دولار إلى مائة وستة مليارات دولار.

وفوق كل ذلك انتشار البطالة بشكل مخيف بين الشباب وخريجي الجامعات، إضافة إلى الانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان الممتهنة لكرامة الإنسان المصري وإنسانيته من قبل رجال الأمن، ومهازل المحاكمات الأراجوزية التي أودت بحياة المئات من شباب مصر ومفكريها وعلمائها ورجالاتها، وغيبت الألوف وراء قضبان السجون والمعتقلات؛ بفعل الأحكام التعسفية والغير عادلة، التي كان يصدرها قضاة باعوا ضمائرهم لسلطان باغي وفاسد، مما جعل المصريين يفقدون الثقة بهذا الرئيس الأرعن؛ الذي أخذته العزة بالإثم، فبغى وطغى وتجبر.

لقد تراكمت المصائب على مصر وشعب مصر منذ الانقلاب الذي قاده السيسي على الرئيس الشرعي محمد مرسي؛ الذي اختاره الشعب المصري عبر انتخابات حرة ونزيهة، وبالتالي قضاءه على حلم المصريين في إقامة نظام مدني ديمقراطي، حلموا به منذ سنوات طويلة، أسوة بكل دول العالم التي تنعم بالحرية والعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة.

والذي يزيد في إيلام المصريين أنهم لا يعرفون كل ما فعله السيسي بمصر وأهل مصر، وقد زينت وسائل الإعلام التي سخرها لخدمة أغراضه فعله وأعماله، فما يراه الناس لا يتعدى كونه كرة الثلج المتدحرجة التي يختبئ وراءها جبل الثلج الكبير الذي سيكنس الفساد الهائل، الناتج من سوء الإدارة المالية والمحسوبيات، التي كانت الطابع الفاقع الذي اتسمت به مؤسسات ووزارات الدولة في عهد السيسي.

وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ووكالات الأنباء العالمية، سلطت الضوء على المظاهرات التي شهدتها شوارع وساحات المدن المصرية، مساء الجمعة 20 أيلول الجاري، واصفة إياها بأنها "احتجاجات نادرة ضد السيسي".

فقد عنونت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالتها "المصريون يصرخون (ارحل يا سيسي) في مظاهرات نادرة ضد الرئيس"، مشيرة إلى أن "مئات المصريين احتجوا في وسط القاهرة وعدة مدن أخرى ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي استجابة لدعوات عبر الإنترنت للتظاهر ضد فساد الحكومة".

ونوهت أن "الاحتجاجات أصبحت نادرة للغاية في مصر بعد حملة واسعة النطاق على المعارضة في عهد السيسي، الذي تولى السلطة بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في عام 2013".

أما صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية فكتبت تحت عنوان "احتجاجات نادرة ضد زعيم مصر تنطلق في القاهرة وأماكن أخرى"، وقالت: "خرج مئات الشباب استجابة لنداءات عبر الإنترنت في مظاهرات ضد فساد الحكومة، وهتفوا "يسقط السيسي" و"ارحل الآن"، مؤكدة أن "الاحتجاجات كانت غير عادية على الإطلاق".

وأشارت الصحيفة إلى تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة، تعليقا على المظاهرات المناهضة للسيسي، حيث قال: "السيسي دكتاتوري المفضل".

ومن جانبها نقلت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" مجريات الأحداث في مصر تحت عنوان "المصريون يحتجون ضد عبد الفتاح السيسي"، قائلة: إن "الاحتجاجات جاءت احتجاجا على فساد حكومة الرئيس السيسي".

وأفادت بأن شعاري "ارحل يا سيسي" و"الشعب يريد إسقاط النظام" تصدرا قائمة تويتر المصرية، بالتزامن مع المظاهرات.

 وفي أجواء يراها البعض أشبه باستعادة "روح ثورة يناير/كانون الثاني"، وعقب انتهاء مباراة الأهلي والزمالك في بطولة السوبر المصري، خرجت التظاهرات في محافظات القاهرة، والجيزة، والإسكندرية، والسويس، والدقهلية، والغربية، والشرقية، مرددين الهتافات المنددة برأس النظام وممارساته.

كما علق موقع "فايس نيوز" الكندي على تطورات الأحداث الجارية في مصر التي هزت أركان السلطة، قائلا، إن "حالة من السخط والغضب تسود الشارع المصري، على خلفية انتشار الفساد، وسوء الإدارة".

وأضاف الموقع: إن "التغريدات الأعلى تداولا عبر تويتر في مصر، جاء على رأسها شعارات "ارحل" و"الشعب يريد إسقاط النظام" و"ارحل يا سيسي"، الأمر الذي يشير إلى بعض من أشد الضغوط السياسية التي يتعرض لها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ أن استولى على السلطة في انقلاب عسكري في عام 2013.

وأشار الموقع إلى أن "المصريين يندفعون الآن نحو (مواقع التواصل الاجتماعي) ليصبوا جام غضبهم على حكومة السيسي، التي شهدت أعواماً من الفساد وسوء الإدارة المالية، لدرجة أن البنك الدولي قال في وقت مبكر من هذا العام إن ما يقرب من ستين بالمائة من السكان باتوا إما فقراء أو على وشك السقوط في الفقر".

وقال الموقع: "ما فعله هذا المقاول العسكري السابق (محمد علي)، والذي عمل جنباً إلى جنب مع قيادة الجيش لما يقرب من خمسة عشر عاماً، فتح نافذة أمام المصريين ليطلوا منها على حقائق بعض مشاريع السيسي المثيرة لكثير من الشقاق والجدل، مزوداً إياهم في بعض الأوقات بأرقام وبيانات محددة لإثبات صحة مزاعمه".

لقد حاول السيسي الطعن في هذه الفيديوهات واصفاً إياها بالافتراءات المحضة وذلك أثناء حديث له أمام مؤتمر الشباب في القاهرة، الذي عقد على عجل، وأمر بشن حملة من الدعاية الناعمة للنيل من محمد علي وتكذيبه.

إلا أن مساعي السيسي لم تفلح، وبدلاً من ذلك ازداد محمد علي، الذي يسجل الفيديوهات ويبثها من منفاه الاختياري في إسبانيا، جرأة في الهجوم والإلحاح على إزاحة السيسي من السلطة، وأطلق هذا الأسبوع سلسلة من التعليقات ما لبثت أن انتشرت في معظم وسائل التواصل الاجتماعي العالمية، وها هو الآن يطالب الناس بالخروج إلى الشوارع في كل أرجاء مصر ليعبروا عن معارضتهم للنظام.

لقد اتفق جميع المحللين والمراقبين والمتابعين للأحداث في مصر على أنه "لا يمكن إنكار وجود كم هائل من الغضب الذي يبدو أنه هز أركان السلطة في مصر، ولا أدل على ذلك من الأسلوب الذي انتهجوه في الرد حيث لجأوا إلى الاعتقال الاستباقي وفرض الرقابة على النشر وشن الحملات الدعائية".

أياً كان الأمر؛ فإن هناك انتفاضة في مصر تتدحرج ككرة الثلج وتكبر بشكل سريع، نتمنى أن تكلل بالنجاح وتطيح بهذا الرئيس المهرج والأرعن، الذي سوّد وجه مصر الحضاري والثوري، وأعاد عقارب الساعة فيها إلى الوراء لسنين عجاف طويلة، واستحل دماء المصريين، واستباح معتقداتهم وقيمهم، وارتبط بعلاقات مع أفسد أهل الأرض من متصهينين عرب وعبريين وعجم، وعمل معهم على طمس عروبة مصر ومسخ معتقداتها، مطأطأً رأسه لكل أعداء الأمة بخسة ونذالة لم تعهدها مصر العروبة طوال حياتها.

وسوم: العدد 846