حبّ الصحابة وتوقيرهم

د. عبد العزيز الكبيسي

[باختصار، من مقال منشور في مجلة الفرقان – العدد 22 / جمادى الآخرة 1433هـ = أيلول 2002م.

يقول الله تعالى: (محمّد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم، تراهم ركّعاً سجّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً).

إخوة العقيدة والإيمان:

من حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته: توقيره وإجلاله وتعظيمه، وأن نوقّر أصحابه الذين عاشوا معه، وتربوا في كنفه ونهلوا من تعاليمه وهديه.

فكيف يكون توقير الصحابة؟ وكيف يكون الوفاء لهم؟. فما من مسلم يحيا على وجه الأرض إلا ولصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم منّة عليه وإحسان إليه.

إن توقير الصحابة يتحقق من خلال أمور أربعة هي:

1- معرفة حقهم والاعتراف بفضلهم: وهاهو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد من الأمة بكل أجيالها وطبقاتها، وعلى مر عصورها وأزمانها، أن تعرف للصحابة حقهم وأن تعترف لهم بالفضل فيقول:

"لا تسبّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مُدّ أحدهم ولا نصيفه". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم.

ويقول: "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم بعدي غرضاً، من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه بعقاب". رواه أحمد والترمذي.

2- الاستغفار لهم والترضي عنهم: ولذلك تعلن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عجبها ودهشتها من أولئك الرجال الذين يسيئون إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول لابن أختها عروة بن الزبير: "يا ابن أخي أُمِروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبّوهم".

3- التأسي بأفعالهم والاقتداء بأحوالهم: يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "من كان متأسياً فليتأسّ بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً وأقومها هداية وأحسنها حالاً".

ومن هنا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم، في مواطن متعددة، يؤكد هذا الجانب في الاقتداء والتأسي فيقول: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر. اهتدوا بهدي عمار وابن أم عبد. عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين من بعدي".

4- الإمساك عما شجر بينهم، والإضراب عن أخبار المؤرخين وجهلة الرواة القادحة في أحد منهم، فذلك أسلم للعقيدة، وأحفظ للدين، ولئلا يزين الشيطان الخوض في أعراض الصحابة، ورميهم بالضلال والخروج من الإسلام.

فعقيدتنا هي:

ونسكت عن حرب الصحابة فالذي      جرى بينهم كان اجتهاداً مجردا

وقــد صح في الأخبــــــــار أن قتيـــلهم      وقاتــلهم في جنّــــــة الخــــــلد خلّـدا

فهـــــــذا اعتــــقــــاد الشـــــــــافعي إمـامـنــــا      ومالك والنعـمــــان أيـضـاً وأحمدا

هذه هي عقيدتنا وعقيدة أئمتنا. وينبغي على الأمة أن تعلم أن ما وقع بين الصحابة رضي الله عنهم من تشاجر وتقاتل، لم يكن لمطامع دنيوية أو شهوات نفسية، إنما كان عن اجتهاد في إقامة كتاب الله، وتطبيق حدوده، وقطع دابر المفسدين.

ورضي الله عن سيدنا عمر بن عبد العزيز عندما سئل عما جرى بين الصحابة فقال: "تلك دماء طهر الله يدي منها، أفلا أطهر لساني؟ مثل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثل العيون، ودواء العيون ترك مسّها".

5- معاداة من عاداهم وبغض من يبغضهم: واجعل لسان حالك يردد:

فحب جميع الآل والصحب منهجي      غــــداً بهم أرجو النعيـــــــــم المؤبـــــــــدا

ولـن أكـــن عبــــــداً رافــضيـــــاً فـأعـتــدي      فويل وويل في الورى لمن اعتدى

ولقد شدد العلماء النكير على من يطعن في هؤلاء الكرام، وبيّنوا أن هذا الطريق إنما هو طريق المارقين والحائدين عن طريق الصراط المستقيم. يقول الإمام المحدث أبو زرعة: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق".

كل أمة جذورها في تاريخها وبدون تاريخها لا قيمة لها، وأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جذورها جيل الصحابة الذي صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على يديه.

هذا الجذر هناك من يحاول أن يشوهه، هناك من يحاول أن يقطع بين الشجرة وجذورها، وحاشا لهذه الشجرة أن تُقطع، وحاشا لتلك الجذور أن تنفصل.

إننا لولا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وصل إلينا نور الإسلام، فهم الذين روّوا بدمائهم الطاهرة الزكية أرضنا وتربتنا كي يسطع عليها نور الإسلام.

إننا أمة لم ندخل التاريخ بأبي جهل وأبي لهب وأمية بن خلف، إنما دخلناه بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد وسعد وغيرهم من الأبطال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بهم أعزنا الله، ورفعنا بين الأمم عبر العصور والأجيال.

يقول الإمام مالك: "من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية: (محمد رسول الله.... ليغيظ بهم الكفار)".

6- التسمي بأسماء الصحابة: فمن الوفاء لأولئك الرجال الذين فتحوا البلاد وحرروا العباد وضحّوا بالغالي والنفيس من أجل إيصال الإسلام إلى هذه الديار، ورووّها بدمائهم الزكية. فهذا هو دليل الحب لهم، وهذا هو برهان الوفاء لهم، وهذا هو مستند البر بهم.

اللهم اجعلنا ممن يعرف للصحابة فضلهم وقدرهم، واجعلنا من أهل الوفاء والبر بهم، والسائرين على سيرهم وهديهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

وسوم: العدد 846