عملية نبع السلام، صفعة للمشروع (الصهيوأمريكي)

د. ناجي خليفة الدهان

عملية عسكرية في شمال شرق سوريا! أطلقتها تركيا إلى جانب قوات المعارضة السورية في يوم الأربعاء الموافق 9/ 10 / 2019م، ضدّ قوات سوريا الديمقراطية “قسد” حملت اسم “نبع السلام” بدأتها بهجوم عَبرت فيه الحدود باتجاه تل أبيض، ورأس العين… فأنقرة تعتبر الأكراد “تنظيم ي ب ك/ بي كا كا إرهابيين “ وتحاول منعهم من إقامة منطقة كردية تتمتّع بالحكم الذاتي بالقرب من حدودها الجنوبية. ولكن لابد من سائل يسأل ما هو ضرر ذلك على تركيا؟ وماهي الأسباب التي دعت تركيا إلى القيام بالعملية العسكرية؟ وهل يوجد طريق آخر لمعالجة الوضع على الحدود؟

للإجابة على هذه التساؤلات ولتكن الصورة واضحة عن خلفيات الموضوع، لابد من توضيح الوضع في المنطقة قبل العملية العسكرية.

إن أمريكا بحجة مكافحة تنظيم داعش الإرهابي، ساهمت في انتشار تنظيم “ي ب ك/ بي كا كا” الإرهابيين في مناطق شرق الفرات، خلال الفترة الممتدّة من يناير إلى يونيو عام 2015، وتمكّن “ي ب ك/ بي كا كا” الإرهابيين من إخراج داعش من مدينة عين العرب (كوباني) بريف محافظة حلب، ومن ثم من مدينة تل أبيض بريف محافظة الرقة، واحتل تلك المنطقتين اللتين تعتبران من أهم المناطق في شرق الفرات. ووسع التنظيم نطاق المساحات التي احتلها فيما بعد، ليشمل مناطق سكنية مهمة مثل: راس العين، وسلوك، والدرباسية، وعامودا، والقامشلي، والمالكية بريف محافظة الحسكة.

الكل يتحدث عن نبع السلام بأنها عملية عسكرية تركية داخل الأراضي السورية، وهذا خطأ لأن هذه الأراضي خرجت من تحت السيادة السورية منذ عام 2012، وأصبح اسم الشمال السوري (ورج افا)، وهذا يعني باللغة الكردية غرب كردستان، وكان أول ما فعله ال b k k عندما استلموا حكم البلد من فصائل الجيش الحر حتى باشروا في إهانة العرب والمسلمين، وأساؤوا لمقدساتهم!!! ثم بدأوا بالاستيلاء على بيوت الناس ومحالّهم ومن ثم طردهم خارج البلاد، فاستباحوا حرمات البيوت وهدموا القرى العربية بالكامل، وهجّروا أهلها وأطلقوا على باقي القرى والمدن أسماء كردية، مثلا (رأس العين؛ أصبحت سري كانيه)، (تل أبيض، أصبحت درباس بيه) وغيرها كثير جدا، ووضعوا قانونا جديدا للبلاد، وعينوا رئيسا لها ووزراء ومجلس شعب، وأقاموا المحاكم الخاصة بهم والتي تحكم بقانونهم، وأقاموا البلديات وعينوا الموظفين بدوائر انشأوها، علما أن غالبية السكان لهذه المناطق من العرب والتي تصل ما بين 80 – 90 %.

وطبعوا المناهج الدراسية باللغة الكردية بشكل كامل ولم يكتفوا بذلك بل طبعوا كتاب ديانة خاصا بدولتهم الكردية يدرسون الأطفال الديانة الزردشتية وأن الله هو زرادشت. لهذا تركيا لا تعتدي على سيادة الدولة السورية، بل تحارب روج افا، ولا تقاتل السورين أو الأكراد المسلمين، بل الملحدين ال b k k، هذا ما وجب التنبيه له وما لا تعرفونه عن (نبع السلام).

الحقيقة أن تركيا في العملية العسكرية الأخيرة لا تحارب سوريا ولا تريد احتلالها.. تركيا تحارب الأكراد الانفصاليين المتحالفين مع إسرائيل الذين يظهرون في الصور رافعين أعلام إسرائيل بجوار علم كردستان، هدفهم إنشاء دولة كردستان برعاية إسرائيلية واقتطاع أراضيها من سوريا، وتركيا، والعراق لتأسيس دولة على أساس عرقي. وقد قاموا بتهجير العرب العراقيين، والسوريين من أراضيهم في عملية تطهير عرقي لسنوات. فما يقوم به أردوغان هذه المرة في مصلحة تركيا، والعالم العربي، وضدّ مصالح إسرائيل، لأن علاقة الانفصاليين الأكراد بإسرائيل قوية، وهي الداعم الأكبر لانفصالهم وبالتالي ستكون الدولة الكردية موالية لإسرائيل وستسهم في تفتيت المنطقة بشكل كامل.

ولأن الضربة هذه المرّة موجّهة لإسرائيل ومشروعها، وليس لسوريا، بل تهدف إلى وحدة الأراضي السورية، فلا للتسرّع في إطلاق الأحكام، حتى لا نترك فرصة لأحد في ممارسة الدجل والتضليل كقولهم: (تركيا تحتل سوريا).

تسعى تركيا من خلال العملية العسكرية في مناطق شرق نهر الفرات السورية، للقضاء على المشروع الانفصالي عن سوريا، والتهديدات المباشرة وغير المباشرة التي تطال المدن التركية القريبة من الحدود، وتوفير البيئة الملائمة لعودة السوريين إلى ديارهم وتشكيل فرصة جديدة لإحلال وحدة الأراضي السورية.

ومع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انطلاق عملية “نبع السلام”، لم يستطع الإعلام العربي المعادي لتركيا ضبط أعصابه، حيث سارع بشنّ حملات إعلامية شديدة اللهجة واصفة التحرك التركي شمالي سوريا بـ (العدوان، والغزو) للأراضي السورية.

في الوقت الذي تتواصل فيه عملية “نبع السلام” العسكرية التركية، ضدّ من تصفهم بالتنظيمات الإرهابية، في شمال سوريا بدا لافتا ذلك الجدل الذي أثاره موقف الجامعة العربية، في اجتماع وزراء خارجيتها الأخير، الذي انعقد في القاهرة يوم السبت في الثاني عشر من تشرين الأول/ أكتوبر، والذي أدان ما وصفه بالعدوان التركي على سوريا.

فكما عودتنا جامعة الدول العربية في مواقفها المتكررة المخزية تجاه قضايا أمتنا العربية ألاّ يكون لها رأي خاص بها!!

ولن أسال الجامعة العربية عن مواقفها إزاء الدول الإسلامية التي تتعرّض للاضطهاد والظلم والإرهاب الطائفي الممنهج، حيث لم تقف يومًا لتعرب عن استنكارها ورفضها له!!!

أليس من حقنا أن نسأل الجامعة العربية أين كانت يوم أعلن الرئيس ترامب (القدس عاصمة لإسرائيل)!!! وأين كانت يوم أن أعطت المشروعية لاحتلال العراق، وما هو موقفها من التدخل الإيراني السافر في العراق، وما يحدث هناك من تغيير ديموغرافي يهدف للقضاء على عروبة العراق؟ وكذلك ما موقفها من التدخل الإيراني كذلك في اليمن ونشر الطائفية فيه؟ وماذا فعلت إزاء الضحايا والجرحى للآلاف من الشباب المتظاهرين السلميين المطالبين بإعادة سيادة العراق وكرامة شعبه وطرد المحتلين، أين هم؟ هل تحسّ منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا؟!! أين أنتم من اسم جامعتكم فهل هي جامعة عربية أم عبرية؟!! جامعة تأتمر بأوامر الغرب وفق المصالح الصهيوأمريكية! أليس من حق تركيا أن تُشكر لإنها أعادة العروبة إلى منطقة شرق الفرات المسلوبة من قبل عصابة تسلطت على رقابه أهلها، واستغلّت الظروف الذي تمرّ بها سوريا بخاصة والمنطقة بعامة، هل هكذا يكافئ من يرد الحق إلى أهله؟! ألا تستحون عندما تخرجون على القنوات الفضائية في هكذا مواقف أمام شعوبكم التي لن تنسى مواقفكم المخزية وما أكثرها؟!

أما المواقف الدولية تجاه نبع السلام، فقد توالت ردود الفعل حول إطلاق تركيا العملية العسكرية في شمال شرقي سوريا لإنشاء المنطقة الآمنة، ودعت دول أوروبية إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي لبحث العملية وتداعياتها.

ولا غربة من مواقف مجلس الأمن والدول الغربية صاحبة المصالح في تفتت الوضع العربي خدمة للكيان لصهيوني ولمصالحها كذلك، ودعم كل الحركات الانفصالية ومنها الكرد على وجهه الخصوص، وبقاء منطقة الشرق الأوسط غير مستقرّة عملًا بنصيحة منظّرهم رئيس وزراء بريطانية كامبل في وثيقته سيئة الصيت (وثيقة كامبل عام 19007م)، ونتساءل ماذا قدم مجلس الأمن في كل القضايا سالفة الذكر، وكذلك القضايا الدولية سوى التنديد والأسف؟

إن بَقيتْ منطقة شرق الفرات بيد هذه المنظمات الإرهابية ونجحت في الانفصال، فنجاحها نجاح للمشروع الصهيو أمريكي المدعوم من (اسرائيل )، والذي فشلت أول بوادره في انفصال أكراد العراق في الاستفتاء الفاشل الذي أجري في شمال العراق، الذي كان يقوده ويشرف على ذلك الاستفتاء؛ “اليهودي برنارد لويس” -المؤرخ المجرم المعروف صاحب أخطر نظرية لتفتيت العالم العربي والإسلامي- لإقامة مشرع الدولة الكردية الكبرى كما يزعمون، ومن أجل وضع دولة مسطنعة شبيهة بإسرائيل لإدخال المنطقة في صراعات مستمرة، وحالة عدم الاستقرار، وبصراحة لا أدري عن أي تاريخ يتكلم الكرد لهم في سورية حتى أنه لا يوجد أي أثر قديم لهم قبل القرن العشرين.

ويقينا مجلس الجامعة يعلم أن أسباب الهجوم التركي هو لخدمة واقعنا العربي المسكوت عنه في حماية شعبنا العربي في شمال شرق سوريا من الأقلية الكردية في عين العرب وعفرين وراس العين والقامشلي والحسكة… وهم يطالبون بفدرالية كردية بعد أن باشرت بطرد العرب من هذه المناطق بدعم إسرائيلي دون أن تتدخل الحكومة السورية.

مما تقدّم والذي يبدوا أن تركيا أكثر حرصا من القادة العرب في الحفاظ على واقعهم العربي والإسلامي، وستكشف الأيام القلية القادمة الأخطاء العربية بدعم تدمير واقعنا العربي والعيش بفرقة مشهودة أكثرا منها في السابق رغم توفّر كل عوامل القوة في الاتحاد.

إن تركيا ستعيد إعمار المدن السورية التي ستحررها، وستعيد توطين السوريين على أرضهم في مدن تشيدها، والجيش التركي يطرد المليشيات الكردية، (وليس الأكراد) من المدن والقرى العربية السورية دون أن يدمرها.

وسوم: العدد 846