ارتجاج دماغ سياسي ...

حين تتحكم الإيديولوجيا في السياسة :

لا بلح الشام .. ولا عنب اليمن

آخر النسخ من الصيغ المرتجفة التي عبرت عن موقف مرتج من عملية " نبع السلام وربما هي النسخة السادسة أو الخامسة تقول " لقد باشر الجيش الوطني بالاشتراك مع الجيش التركي عملية نبع السلام ..." ، وقالت الصيغة التي قبلها " نعلن تأييدنا التام لعملية نبع السلام التي بدأتها قوات الجيش الوطني السوري بالمشاركة مع القوات التركية الصديقة .."

ويبدو أن ارتجاج الدماغ السياسي هذا أصبح حالة عند باقة من قوى المعارضة السورية يتبادلونها كبير عن أكبر ..

حالة من التذاكي والألمعية المدعاة تفوت على أصحابها كما يقولون بلح الشام وعنب اليمن . و إن أبلغ حالات التذاكي المدعى أن يظن الإنسان أنه الأذكى ، وأن الآخرين لا يقرؤون من حركات الجسد مدلولات قضم الأظافر أو أرجحة الساقين ..

والحقيقة أن الذين وجدوا في العبارة المرتجفة المعلولة ملاذا لم يسألوا أنفسهم كيف سيقرأ كل المعنيين بالرسالة دلالاتها ومآلاتها ، وأي تداعيات سيكون لها ، وأي من الأطراف المشمولين سيعلن غبطة ورضى ، ويوزع المرحات على من ينشدونها ..

نسأل أصحاب الهواجس المتخوفين من هجوم يشنه متربص هل سيقنع موقفكم هذا المتربصين بكم من فوقكم ومن أسفل منكم ؟! ونزيدهم : إن الخوف المدعى على عذرية ما يسمى بالدولة الوطنية لا يكون بعد سبعة مواليد كلهم نغل زنيم ، أولهم أبوه صهيوني وآخرهم روسي أو إيراني أو أمريكي أو واحد من دول التحالف الأربعين ...!!

ونزيد المتطلعين لقيادة أمة وجيل وثورة ... نحن في القرن الحادي والعشرين ، وفي عصر ما بعد الحداثة ، وفي ظل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ، ومحكومون بسطوة الشركات المتعددة الجنسيات ، والعابرة مثل الصواريخ للقارات ، وكل ذلك يجعل الحديث عما يسمى : سيادة الدولة ، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول من قبيل حكايات الأجداد والجدات ..

ولقد تدخل في سورية ضد القانون الدولي ، وضد مواثيق حقوق الإنسان ، وضد الدولة السورية ، وضد الشعب السوري ، وضد الثورة السورية ؛ الصهاينة واللبنانيون والعراقيون والإيرانيون والأفغان والباكستانيون والروس والأمريكيون وتحالفهم الأربعيني الذي يشمل معظم دول الغرب الأوربي ..!!

ثم كانت " الدولة التركية " هي الدولة الوحيدة والدولة الأولى التي تقوم بتدخل رسمي محدود لمصلحتها المتقاطعة مع مصلحة الشعب السوري . أفما كانت تستحق هذه العملية تأييدا صريحا وواضحا وقاطعا غير ملفوف ولا مبطن من قبل المتقاطعين معها والمستفيدين منها؟! نؤيدكم لأنكم مع أولاد ضيعتنا أو أولاد حارتنا .. هذا ما عبر عنه ارتجاج الدماغ السياسي . أما الأسس والأبعاد التي قامت عليها العملية فذلك أمر لا يضيف إلى موقفنا ولا يغير فيها !!

ولو أن هؤلاء الذين اجتمعوا في تونس تحت عنوان " أصدقاء الشعب السوري " منذ 2012 قد اتخذوا قرارا حقيقيا " بحماية المدنيين " في سورية رغم أنف الفيتو الروسي ، وقرروا الأخذ على يد المجرم لوقف الجريمة بتدخل حازم وجاد .. هل كان هؤلاء المتلكئون والمرتجفون سوف يتلكؤون ويرتجفون في تأييد تلك العملية كما نراهم اليوم أو سيعلنون رفضهم تحت مقولات عقيمة يرددها قوم مثل الببغاوات ..؟!

هل كان هؤلاء المترددون والمحبنطئون اليوم سيترددون ويناورون في تأييد عملية تقوم بها أي دولة في العالم توقف المحرقة في المعتقلات كما وثقها " القيصر" والتي ما تزال .. أو أنهم سيفكرون كما ما زالوا يفكرون ؟!

لم يسأل أصحاب هذه الصيغ المريضة في الدعم والتأييد - في لحظات تاريخية عزّ فيها الدعم والتأييد - عن وقع هذا التأييد المعنعن - كعن سعيد عن كرم - على حامل لواء العملية الذي يناضل وحيدا كل أشرار ويتصدى لهم طبقا عن طبق .

أليس من حق أن يتوجه حامل العبء ، المنفرد به بالألم إلى كل هؤلاء الذين استغشوا ثوب الوطنية والسيادة القومية بالاستنكار : حتى أنت يا بروتس ..؟!!

ثمة مشكلة أساسية وجذرية واقعية فرضت نفسها على الثورة السورية وهي معاناتها من المعارضة غير الثورية . المقاربات الثورية مقاربات واضحة حاسمة لا تلجلج ولا تردد فيها . والمقاربة السياسية مقاربات حذرة مترددة ضبايبة . المقاربة الثورية تنتمي إلى قوانين الديناميك وآليات الفاصل والواصل . والمقاربات السياسية تنتمي إلى قوانين الستاتيك وعلم من الأذرع الأخطبوطية التي تظن أنها تمضغ على الفكين معا ...

لعلكم لا تتردون ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 846