الجوع : لغة الشعوب البائسة ، القادرة ، وحدَها ، على التوحيد بينها !

ليس للجوع : جنس ، ولا دين ، ولا قبيلة ، ولا حزب ، ولا مذهب ، ولا طائفة ..!

حيث حلّ الجوع ، انعدمت الحرّية ؛ فالجائع لا يفكّر، إلاّ بلقمة الخبز، وما يرتبط بها، من أساسيات الحياة!

وحيث انعدمت الحرّية ، تسلّط المجرمون ، على مصائر العباد ، وأقواتهم ، ومصادرأرزاقهم؛ فكثر المترفون المتخمون ، من ناحية ، وكثر الجياع ، من ناحية ثانية !

وقد سادت فلسفة، لدى بعض الحكذام، في مراحل معيّنة، تلخّصها عبارة: (جوّع كلبَك يَتبعك)!

ثمّ ردّت عليها فلسفة ثانية ، بعبارة : إذا جوّعت كلبك ، فقد يجد مَن يلوّح له باللقمة ، فيتركك ويتبعه !

وقد مضت تلك المراحل ، ودخل الناس ، عامّة ، حكّاماً ومحكومين ، في مراحل جديدة ، بعد أن تغيّر الزمن ، وانتشرت وسائل الإعلام ، التي تيسّر التواصل بين الناس ، وتخبرهم ، لحظة بلحظة ، عمّا يجري في العالم ، عامّة ، وفي بلدانهم ، خاصّة ! ومن جملة ماتخبرهم به : أسباب جوعهم ، من هدر للمال العامّ ، من قبل الحكّام وأعوانهم .. ومن سرقة هذا المال ، من قبل هؤلاء الحكّام وأعوانهم ، وكبار رجال المال والاعمال ، المرتبطين بهؤلاء الحكّام وأعوانهم !  

قد تنشأ مجاعة ، في بلد ما ، بسبب بعض الكوارث الطبيعية ، فيعرف الناس ، أنهم جاعوا، بسبب هذه الكوارث ، ويَصبرون !

وقد تشحّ الأمطار، في بلد يعتمد على الزراعة ، وهو قليل المياه ، فيصبر الناس ، انتظاراً للمطر، وهم يعلمون ، أن شحّه ، هو سبب جوعهم .. ويخرجون ، في بعض البلدان الإسلامية ، لصلاة الاستسقاء ، ولا يلقون اللوم ، في جوعهم ، على حكّامهم ، أو على المتنفّذين ، في بلادهم الذين يغتنون ، في العادة ، على حساب الفقراء !

أمّا أن يجوع الناس ، في بلد غنيّ ، كثير الخيرات ، بسبب مافيه من موارد طبيعية .. أو أن يجوعوا ، بسبب أن المساعدات ، التي ترسلها بعض الدول الثرية ، تُسرق ، من قبل الحكّام والمتنفّذين ، ولا يصل منها شيء ، إلى الفقراء والمحتاجين.. فهذا لم يعد مقبولاً، لدى الشعوب، التي انتشرت فيها وسائل الإعلام ، ووسائل التواصل ، فيما بينهم !

لقد خرجت شعوب ، بأكثرياتها الساحقة – عدا الحكّام ومؤيديهم - تطالب حكّامها بالحرّية ، وأسقطت عدداً من الحكّام ، في موجات الربيع العربي ، التي قاومها الحكّام ، وسادتهم ونظراؤهم ، وعبيدهم، وظنّوا أنهم قهروها ، وأوقفوا زحفها !

لكنّ غباء بعض الحكّام ، منعهم من الإفادة ، من تجاربهم ، وتجارب غيرهم ؛ فأمعنوا في إذلال شعوبهم ، أو تجويعها ، أو إهمال حاجاتها الأساسية .. فتدفّقت موجات جديدة ، من الربيع، مختلفة عن سابقاتها ، موجاتِ الحرّية ؛ إنها موجات الجوع !

ماجرى في مصر، من أسابيع عدّة ، وما يجري اليوم ، في العراق ولبنان ، من ثورات الجياع، دليل قويّ ، على أن للجوع ثورات ، مختلفة عن سائر الثورات ! فثورات الجوع ، لاتعرف السياسة ، ولا ترتبط بإرادة سياسي ، أو قائد حزب ، أو زعيم دين ، أو طائفة ، أو مذهب ! لقد وحّد الجوع بين الناس ، جميعاً ، في الوطن الواحد ، بسائر مِللهم وطوائفهم ، ومذاهبهم وآرائهم السياسية ، فخرجوا كالسيول الجارفة ، في شوارع المدن ، لايبالون: بقتل، أو جرح، أو حبس، أو اعتقال ..!

لقد وحّد الجوع أناساً ، لم يوحّدهم ، سواه ، أيّ شيء ، في العالم ! فهل يقوى الحكّام الفاسدون المفسدون، على مقاومة ثورات الجياع ، أو إخماد نارها، إذا كانوا عاجزين، عن إخماد صرخات الجوع، في بطون أصحابها ؟

وسوم: العدد 848