متى يكون الكلام من فضّة ، ومتى يكون السكوت من ذهب ؟

الحكمة الواردة في العنوان ، لها مؤيّدات ولها ، استثناءات !

من مؤيّداتها :

قال ربّنا ، يخاطب نبيّه ( وأعرضْ عن الجاهلين )

وقال الشاعر : ما كلّ قول له جوابٌ     جوابُ مايُكرهُ السكوتُ

وفي الشافعي :  إذا نطقَ السفيه ، فلا تُجبهُ     فخيرٌ من إجابتِه السكوتُ

                        إذا جاوبتَه سَرّيتَ عنه     وإن خَلّيته ، كَمَداً يموت !

وقال الشافعي أيضاً :  يخاطبني السفيهُ بكلّ قُبح    فأكرَه أن أكون له مُجيبا

                         يزيد سفاهةً، وأزيدُ حِلماً   كَعُودٍ زادَه الإحراقُ طيبا!

وهذا كلّه ، في الحالات الفردية !

أمّا الحالات العامّة ، فلها شأن مختلف، ومنها :

العدوان على الإسلام ، عبر العدوان على مقدّساته، وأحكامه ، ومبادئه ، وحمَلته العظام ؛ سواء أجاء العدوان ، من أعداء داخليين ، أم صدر من أعداء خارجيين ! وهذا مايسمّى : الصراع الإعلامي ، الذي قال النبيّ ، في إطاره ، لحسّان بن ثابت: اهجُهم وروح القدس معك، وذلك ؛ حين هجا بعض شعراء قريش ، النبيّ ودعوته وأصحابه !

وقد تصدّى حسّان ، للردّ على شعراء المشركين ، فقال له النبيّ : كيف تهجوهم وأنا منهم؟ فقال حسّان: أسلّك منهم ، كما تُسلّ الشعرة من العجين! وعرّف أبو بكر الصدّيق، حسّان الأنصاري، بأنساب قريش ، فكان حسّان يقول فيهم مايغيظهم ، دون إساءة للنبيّ ، وأقربائه من آل هاشم ، حتى قال بعض القرشيين : لقد قال ابن أبي قحافة الشعر، بعدنا ! ويعنون به أبابكر، لِما رأوا في شعر حسّان ، من دقة ، في هجاء بعض زعماء قريش ، وأسَرهم!

وعلى هذا ؛ فإن الدفاع عن الحقّ ، ومهاجمة الباطل ، من الأمور المطلوبة ، لدى المؤمنين ، وقد تكون واجبة ، على المؤهّلين لها ! وفي الحديث : ( الساكت عن الحقّ شيطان أخرس)!

والحروب الإعلامية ، الدائرة ، اليوم ، في أصقاع الأرض ، لا تدع مجالاً لعاقل ، يؤمن بمبدأ، أو يحرص على : دين ، أو وطن ، أو جنس ، أو حزب ، أو انتماء ما .. لاتدع له مجالاً، للصمت عمّا يراه مسيئاً ، لما يؤمن به ، أو يحرص على صيانته !

وقد دخلت وسائل كثيرة ، شديدة التأثير، في نقلها للأفكار والمبادئ والسياسيات .. ومهاجمة بعضها ، والدفاع عن بعضها ، والصمت المتعمّد ؛ بقصد الإهمال والتهميش، تجاه بعضها .. دخلت ساحة الصراع ، وتفنّنت فيها بشكل مذهل ؛ لِما تحمله وسائل الإعلام المختلفة ، هذه ، من فنون الإغراء والترهيب ، والكيد والظلم ، والقدح والمدح .. وغيرها !

مثال : لقد برع الشيوعيون ، في الحرب الإعلامية ، براعة شديدة ، سبقوا فيها الآخرين ، من أصدقائهم وأعدائهم ؛ فكانوا يطبعون الكتب ، المؤيّدة لأفكارهم ، طبعات أنيقة ، كبيرة الكلفة، ويبيعونها بأثمان بخسة ، كي يشتريها الناس ؛ ولا سيّما أصحاب الدخل المتدنّي ، فيتأثّروا بما فيها ، من أفكار مؤيّدة للفكر الشيوعي ، أو الدول الشيوعية !

ولقد ظلّ الشيوعيون ، يمجّدون رمزاً ، من رموز الفكر الشيوعي، هو المفكّر روجيه غارودي، وكانت بعض المجلاّت تنشر مقالاتهم ، الممجّدة لهذا الرمز، والمروّجة لكتاباته وأفكاره ! وحين اعتنق هذه المفكّر الإسلام ، وغيّر اسمه ، من روجيه إلى رجاء ، أهمله الكتّاب الشيوعيون، إهمالاً تامّاً؛ فلم يعودوا يذكرونه ، بخير أو شرّ؛ لأن مجرّد الذكر، يبقي اسمه في الأذهان ، وهذا ما يحرصون على تجنّبه ، كي يُنسى هذا المفكّر، تماماً ، من قِبل الناس ! ولا عجب في هذا؛ فالحرب ضَروس حامية ، ولولم تكن دامية !

وسوم: العدد 848