"ثورة السابع عشر من تشرين" كشفت وجه السلطة الفعلية في لبنان

عشية السابع عشر من تشرين الأول انفجر غضب الناس؛ بعد ضريبة غبية على مكالمات "الواتس أب". لم تكن الاحتجاجات مسبوقة بحجمها؛ فأدخلت لبنان مرحلة جديدة. كان واضحاً منذ اليوم الأول أن الحكومة انتهت، والعهد فشل، والمسكنات لن تهدئ الشارع. أسقطت انتفاضة الناس الضريبة الجديدة -وربما أية ضريبة جديدة-، لكنها لم تغير الوضع الاقتصادي المنهار في لبنان. استمهل سعد الحريري شركاءه في الحكومة 72 ساعة لإنقاذ حكومته، سيما بعد خروج وزراء القوات اللبنانية منها، وقبل انتهاء المدة أعلن عن ورقة إصلاحية؛ شكك كثيرون بواقعيتها، لكن الحراك لم يتوقف.

خلال ذلك أعلن الأمين العام لـ "حزب الله" مواقف بدا فيها كأنه "المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية": إسقاط الحكومة ممنوع؛ "حكومة التكنوقراط لن تصمد أسبوعين.. والانسحاب من الحكومة، الاستقالة، أو ركوب الموجة، معيب وكلنا يجب أن نتحمل". إسقاط العهد ممنوع: "أنتم تضيعون وقتكم ووقت البلد، والعهد لا تستطيعون إسقاطه.. وإذا جاء وقت نزول حزب الله إلى الشارع سنغير كل المعادلات". وتحذير: "من يهرب من المسؤولية يجب أن يحاكم، خصوصاً أولئك الذين أوصلوا البلد إلى هذا الوضع الصعب" (19/10/2019).

بعد هذه المواقف؛ بدا الحريري مجرد جندي في نظر "المرشد"؛ إما أن ينفذ المهمة أو يحاكَم، ورغم أن الحريري في نظر المتظاهرين واحد من المطالبين بالرحيل، لكنه حاول الاستعانة بالحراك الشعبي لتدعيم موقعه في المعادلة الحكومية، في مواجهة التسلط الحكومي لجبران باسيل.. علّه يقدم شيئاً يهدئ الشارع ويبقيه سيفاً مسلطاً على "السلطة الفعلية" في البلد.. حتى ولو شتم المتظاهرون الحريري، لكنه لم ينجح.. لأن شركاءه في الحكومة لم يسهلوا له ذلك، ما دفعه بعد 13 يوماً من الحراك الشعبي إلى الاستقالة ورمي الكرة في ملعب الواجهة الرئاسية لـ "حزب الله".

في الشارع؛ وبعدما خوّن السيد نصر الله الحراك الشعبي في موقف مستجد له -بعد خطابه الأول-، أطلق جماعته ليكونوا بلطجية الساحات ويمنعوا الناس -بالقوة- من ذكره، فيما يجيزون لأنفسهم شتم زعماء الطوائف الآخرين.. بدت مجموعات نصر الله مثل "منحبكجية" بشار تماماً، كما أنهم أعادوا للأذهان قمعهم المحتجين منذ الأيام الأولى للثورة السورية بحجة حماية المقاومة.

بعد استقالة الحريري فإن المتوقع هو تشكيل حكومة تكنوقراط مع سياسيين، وفقاً لحجم الكتل الراغبة في المشاركة، لكن الأمر يحتاج موافقة "حزب الله"، باعتباره السلطة الفعلية في البلد، يليه التيار العوني؛ المتمسك، حتى الآن، بحضور سياسي في الحكومة؛ عبر الوزير جبران باسيل أو من يسميه. وما لم تحدث هذه "الانفراجة الجزئية"؛ فإن لبنان أمام خطرين داهمين؛ صراع أهلي في الشوارع وانهيار اقتصادي. تبقى مسألة تسمية الحريري على رأس الحكومة، خصوصاً أن تشكيله حكومة جديدة بشروطه، يعني هزيمة بالنقاط للتيار العوني و"حزب الله" معاً.

الحسابات السياسية تقول؛ إن كلفة وجود الحريري على "السلطة الفعلية" وجناحها المسيحي، أقل من كلفة غيابه، لكن الرغبة المجنونة بالمعاقبة قد تنتج خياراً آخر.

وسوم: العدد 849