صورة في الجوال أبكتني

الشيخ حسن عبد الحميد

( ذكريات ) 

كان العرب في جزيرتهم يقفون على الأطلال ، وهي حجارة قدر فيبكون ، ويقولون : 

هل بالطُلول لسائلٍ  رَدُّ      

             أم هل لها بتكلُّم عهدُ 

أو ما ترى طِمْرَيَّ بينهما     

              رجلٌ ألحَّ  بهزلهِ الجدُ

فالسيف يقطع وهو ذو صَدأ  

        والنَّصل يعلو الهامَ لا الغِمد ُ

ماهذه الصورة التي أبكتك ؟

 إنها مدينة الباب . 

يعلوها جبل عقيل وفي سفحه جبانة ضمت علماء البلد وعوامها وصالحوها ، أغنياء البلد وفقراؤهم . 

إنه جبل عقيل ، وماعقيل ؟؟ 

حتما ليس عقيل بن أبي طالب 

فهو مدفون في البقيع رضي الله عنه ، 

والقسم الذي يقسم به النساء غلط ، بل وشرك نعوذ بالله منه ، ( وراس حزقيل )

والنبي حزقيل وهو من أنبياء بني اسرائيل ، واسمه حزقيال ، ولو كان حزقيال هذا مدفون في الباب لأشعلت اسرائيل حروبا ، ونقلت رفات نبيها إلى أرض الميعاد كما يسمونها ؟؟

ومايفعل عند قبر عقيل وحزقيل غلط في غلط ، وجهل مركب !!

رأيت صورة الجبل الذي أقمنا فيه إفطار لشباب صائمين في غير رمضان ، أي نفلا ، كنت مع الشباب ونحن نقفز العلو قفزا ، وأنا أغالب نفسي لأن أكون شابا وأفطر في مسجد الجبل ، وأفطر معنا أغنياؤه وفقراؤه ، وأقمنا درسا وصلينا جماعة  ..

أبكتني ذكريات الأمس مدينة الباب أول بلد تظاهر ضد الظلمة ، وأنا شاهد ويكذب من قال ان المظاهرات كانت مسلحة ، حتى العصا لم يحملوها ، ولكنهم أُذلوا من أذناب السلطة فهجموا على مقرهم ووقعت أخطاء لايقرها شرع ولا عقل ، قلت للشباب الثائر إن القتيل يدفن ولا يلقى من السطح الى الارض  ، الميت يحترم !

رأيت في الصورة المدرسة التي ترعرت فيها ، وكانت تسمى  ايكول دوباب ، المدرسة التي كانت تنطلق منها جحافل كشاف البلدة بقيادة عبد السلام أبو الفتوح ، تخرج ومعها الطبول والموسيقى ، يتقدمهم ابن عالم البلدة الشيخ محمد أبو الفتوح ، أول أزهري ذهب لمصر وعاد ليؤم رجالها في المحراب خمسون عاما ، أي والله خمسون عاما هو في المحراب يتلو القرآن العظيم رحمه الله ، ولا يهم الجو البارد والثلج الهابط والمطر المنهمر إنه في المحراب يتلو أي الذكر الحكيم  ( طه ماأنزلنا عليك القرآن لتشقى ) 

ولما خطب على منبره الصيدلي أحمد بنقسلي  والاديب الدكتور عبد الرحمن عطبة ربت على أكتافهم ، ودعا لهم مشجعا وبجانبه الشيخ بدر الدين الحسيني مدرس البلدة رحمهم المولى وأسكنهم فسيح الجنات وأصبحت داره مسجدا في السوق  .

طاف الخيال بشباب البلدة وكنت في العاشرة وكشاف الباب يهتفون بقوة : 

بلادي بلادي فداك دمي  

وهبت حياتي فدى فاسلمي 

والاستاذ عبد السلام صديق عزيز واداري حازم ، اتخيله وهو يمشي أمام الكشاف بلباسه الكشفي الطويل 

وهو يهتف يابلادا في جبين المشرق ،مثل بدر في السما 

وتطوف الفرقة الكشفية البلد ، والنساء من على الأسطحة يزغردون ..

رحم الله أيام زمان ، يوم كان الوطن أغلى من المهج !!!

يوم هجمنا على دار فرنسا الحرة في بيت حسن العلاك وانطلق الرصاص من الشباك القبلي ، واقبلت البلدة بشيبها وشبابها يتقدمهم الزعيم عبد القادر الرحمو وهو صديق الوالد وجار جدي مصطفى الأعمى رحمهم الله 

فتح الحاج ديب البهو صدره للرصاص وهجم على الشباك القبلي وأفرغ فيه مشط رصاص ، وحميت المعركة ، وهجم أهالي البلدة على دار المليس وأنزلوا العلم الفرنسي ، وأسروا خمسة من المليشيا ، ولولا الزعيم أبو شكري لذبحهم الثوار ولكنه حماهم وأخذهم للسراي التي هدمها طيران الطغيان ،

ولو كان أبو ريشة حيا لقلت الباب أحق في قولك : 

ياعروس المجد تيهي واسحبي 

          في مغانينا ذيول الشهب 

   لن ترى حفنة رمل فوقها 

               لم تعطر بدما حر أبي

    درج البغي عليها حقبة 

              وهوى دون بلوغ الآرب 

فهل لنا عودة إلى رباك أيتها المدينة الخالدة ؟؟؟

أجل وماذلك على الله بعزيز ، 

هاهي جحافل الأحرار تتقدم نحو المدينة ، اللهم ثبت أقدامهم وانصرهم ياعزيز 

والله أكبر والعاقبة للمتقين 

ونصرك ياقدير

وسوم: العدد 850