حطام البشر على كل الشطآن، في اليوم العالمي لحقوق الإنسان !!

يحتفي العالم في العاشر من كانون الأول من كل عام اليوم العالمي للاحتفاء بحقوق الإنسان . وعلى الرغم من أن الأقوياء في هذا العالم هم وحدهم الذين وضعوا القواعد المعلنة ، والمواثيق المبرمة لشرعة حقوق الإنسان ، وما زالوا يدعمونها ، ويتباهون ويتدارون بها إلا أن الأقوياء وحدهم فقط هم القادرون عمليا على انتهاك هذه الحقوق ، أو هم الذين ينتهكونها ..!!

ومحدد " الأقوياء " هذا يأخذ تشخيصات نسبية إلى حد كبير ، فعلى المستوى الدولي الأقوياء هم الدول الأعظم القادرة على تجيش الجيوش ، وشن الحروب ، واستتباع الأتباع وفرض العقوبات ..

وعلى الصعد الوطنية الداخلية في كل دولة أو وطن يكون الأقوياء هم الممسكون "بعصا السلطة " القادرين على إكراه الناس ، وتطويعهم ، وسلبهم إرادتهم ، واغتصاب حقوقهم ..

ومهما قلنا عن دور أفراد وتجمعات ومجتمعات بالعدوان على حقوق الإنسان خارج هاتين الدائرتين فسيبقى كلامنا مجرد عبث هامشي لا يصح معه صدق ولا جد ..فما ينتهكه أي مستبد صغير على أي شاطئ من شطآن العالم في ساعة من ليل أو نهار يتجاوز ما يفعله أي فرد متكبر عتل جواظ خارج على مجتمعه في بضع سنين ..

ومن الحق الذي يجب أن نقول إن تماهي المتماهين مع المنتهكين لحقوق الإنسان والمعتدين عليها ؛ هو نوع من الشراكة في هذا الانتهاك مهما تكن الدواعي والأسباب.

ومع أن العدوان على حقوق الإنسان بالانتهاك والتجاوز هو نهج سلطوي عام في علاقة " السلطوي القوي بالإنسان المنتهك الضعيف ، يسري قانونه في الليل والنهار ، وفي الشدة الرخاء ، وفي السلم والحرب ..إلا أن انتهاك هذه الحقوق يكون في فضاءات الحروب التي يفتعلها الأقوياء ، ويوظفونها في إشباع رغباتهم السلطوية ذات الطبيعة السادية تبقى هي الأشد وهي الأنكى ..

حطام الفيلة ..

حين يتاح للإنسان أن يتابع جملة من الأفلام الأمريكية التي تقارب الحال النفسي للجنود الأمريكيين العائدين من أفغانستان والعراق ..فيجد في عقول وقلوب الكثير منهم ، وهم الذين كانوا فيلة تلك الحروب ، وداسوا بشرا رجالا ونساء وأطفالا ، وأداروا معتقلات " باغرام " و " أبو غريب " وبلغ ببعضهم الانخلاع الإنساني فبالوا على جثث ضحاياهم بدون خلق ولا ضمير ..نقول حين يقارب الإنسان الحال البشري لأولئك الفيلة القساة المتغطرسين يجد نفسه على الحقيقة أمام " حطام بشر " فكل هؤلاء البشر لحظة استعادتهم إنسانيتهم باتت تلاحقهم عذابات ضحاياهم ، وعيون الأطفال الذين استضعفوهم فقتلوهم ، أو النساء اللواتي استخفوا بهن فعدوا عليهن ..

يقال إن أحد الطيارين الذين قصفوا اليابان بالقنبلة الذرية قد انتحر ..!! ويقال إن المصحات النفسية الأمريكية اليوم تضج بالرجال والنساء الأمريكيين العائدين من أفغانستان والعراق وسورية أيضا ..

مرات عديدة كانت السينما الأمريكية وهي صورة من صور الغطرسة في الانحياز للقوي المستبد المسيطر تتوقف فقط عند آلام الفيلة في الغابة ، عند آلام الجندي الأمريكي المعتدي الأثيم المدجج بكل أنواع السلاح الذي يقتل ويدمر ويستبيح ..لم يصادف أن توقفت هذه السينما للحظة عند آلام الضحايا والمعذبين . حتى سكان أمريكا الأصليين ، الذين تم استئصالهم على يد الغزاة الفاتحين كان حظهم من سينما مبادئ نلسون الأربعة عشر هو الأقل والأضعف ، وكانت إدانتهم بالأمس كإدانة المسلمين في أفغانستان والعراق وسورية اليوم ..!!

وكذا سنقرأ ونشاهد في المستقبل القريب عن عذابات طياري التحالف الدولي ، والاتحاد الروسي بعد أن أشبعوا نهمهم في قصف أطفال سورية ، وفي تهجير إنسانها ، وتدمير عمرانها .. فهي عذابات تستحق الإشادة وتستحق الاعتبار التقدير..

أما ضحايا تلك الجرائم .. فهم مجرد عشب تعودت أن تطأه الفيلة تحت أقدامها كلما حلا لها المسير ..

لقد بلغ الطفل الذي ولد في سورية سنة 2011 الثامنة من عمره سنوات عاشها تحت خيمة في مخيم ، أو على لحن دوي طائرات بوتين وترامب تقصف وبراميل بشار الأسد تدمر ...

ولد طفل في خيمة جوع وخوف ..ونشأ طفل في خيمة قهر وعذاب .

أليس من حق عندما يسمع عنوانا مثل : "حقوق الإنسان .." في اليوم العالمي لحقوق الإنسان

أن يعيد على الإنسانية السؤال : وما هو الإنسان ؟؟؟؟؟

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 855