المصلحة والأخلاق بين الإيمان والكفر

المقالة تبين اثر المعتقد على السلوك ايجابا وسلبا ، وتدعو الى احياء العقيدة الاسلامية الطاهرة النقية التي تعد قلب هذه الأمة الذي يحركها نحو التألق والإبداع في كل شؤون الحياة وخاصة في الاخلاق

بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

كلُّ ساع في هذه الحياة يحدوه أمران هما: جلب المصلحة ودفع المضرّة , إلاّ أنّ مفهوم هذين الأمرين يختلف من إنسان إلى آخر إلى حدّ التّناقض, حسب المعتقد والنّظرة إلى الحياة.

فمن كان يعتقد انّه لا اله والحياة مادة, ولا يؤمن بالبعث والحساب والجزاء , فانّه يرى المصلحة وفق معتقده هذا أنّها الوصول للمنفعة الذاتية والمتع والرّغبات بغضّ النّظر عن الوسيلة والأسلوب, لذلك نجد عند الملحدين والوجوديين قديما وحديثا مبدأ"الغاية تبرر الوسيلة" وهذا المبدأ يجعل صاحبه أنانيا, متوحّشا,غادرا, خائنا, مؤذيا, يطغى إذا قدر ويذلّ إذا عجز,لا يؤتمن على شيء, لأنّه يرى الخيانة والغدر والغشّ والكذب والسطو, والاحتيال, وسائل ذكيّة لتحقيق المصلحة., يغرق نفسه في الملذّات ويدسّها في الشّهوات حتّى يكون أكثر بهيمية من البهائم العجماوات,لأنّه يرى تلك المتع والملذّات غاية وجوده, فهو يحرص على الاستكثار منها قبل أن يدركه الموت فيحول بينه وبينها, لا يحجزه شيء عن الظّلم والجور والفساد, إذا أمن العقاب الدّنيوي بالتّستر والحيلة , أو النّفوذ والمكانة والقوّة, لا يرجى منه نفع أو خير بدون مقابل مادي أو معنوي دنيوي, كالشّهرة والجاه عند النّاس, فلماذا يضحّي من أجل الوطن إذا كان يموت

ليهنأ الآخرون؟ ولماذا يساعد المحتاجين بماله أو قوّته ما دام ذلك يجعله يخسر البعض من رصيده المادي من غير مقابل؟ بل ولماذا يرعى أبويه العاجزين إذا صارا عبئا ماليا و اجتماعيا عليه؟ إن أحسن ما يقدمه لهما هو وضعهما في بيت للعجزة, وما المانع عنده من استعمال عرضه وشرفه كوسيلة لكسب المال, أو الوصول إلى المنصب؟ حتى العلم فانه لا يهتم به إلا بقدر ما يجنيه من ورائه من مال أو شهرة, فإذا أقفرت ساحته من ذلك تخلّى عنه إلى الجهل وانْبَتَّ في قِفَارِهِ إذا رأى انّه يكسبه المال ويحقّق المصلحة المادية .

وقس على ذلك كل الأخلاق والقيم, فإنّها لا تتصور من كافر إلاّ بقدر ما تُدِرّ عليه من منافع مادية , فإذا انتفت المنافع المادية انتفت الأخلاق وانقلب إلى ضدِّها بكلِّ وحشية وسُعَار.

.فإذا وجدنا صانعا من الكفّار يتقن صنعته وعمله ولا يغشُّ, فليس دافعه في ذلك القيم الخلقية كإتقان العمل, أداء الواجب , الوفاء بالالتزام , ورعاية حق الزّبائن, إنّما دافعه هو الحفاظ على سمعته الصّناعية لتشتهر صناعته فيكثر زبائنه, وبالتّالي يكثر ربحه ومدخوله المالي, فإذا أمكنه الغشّ من غير أن تُضَرَّ سمعته الصّناعية , انقلب إلى اكبر غشّاش, بلا قيود ولا حدود.

لذلك فالمجتمع الكافر مهما ظهر لنا مُنمّقًا, منظَّما, قويًّا, مستقرًّا, متماسكا, فانّه يحمل عوامل فنائه في ذاته , لأنَّ مصالح ورغبات أفراده وكياناته لابد أن تتعارض وتتناقض وتتصادم, ممّا يجعله مجتمع صراع وأمراض وفساد , وذلك يعجِّل بسقوطه واندثاره , وتلكم سُنَّة الله في المجتمعات الباغية الكافرة. وأنَّى لمجتمع كافر أن يستقرَّ ويصلح , وهو تنخره المفاسد والجرائم والصّراعات, لانَّ أفراده كما وصفهم القرآن: لايهتدون,لا يعلمون,لا يفقهون,لا يعقلون, فهم ضالون, وان جمعتهم المصلحة المادية المشتركة حينا , فهي التي تفرُّقهم وتشتِّتهم أحيانا كثيرة.

قال عز وجل :" لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسَهُمْ بَينَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُُلوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ"14 الحشر"

فالكفر هو دائما مصدر الفساد والفساد سبب الدَّمار والاندثار.

قال تعالى:" وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرَا" (16 الإسراء)

وقال سبحانه : " وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِن كُلِّ مَكَانِ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ " النحل 112

وذلكم هو المصير الوشيك للمدنية الغربية المتغطرسة الكافرة ,لأنَّها قادت الإنسان إلى الكفر والطُّغيان والفساد والتمرُّد على الدّين والإيمان الصّحيح منبع القيم والأخلاق والفضائل الفردية والجماعية. وهذه الحقيقة خلص إليها بعض المفكرين النُّبهاء بعد التَّجربة والملاحظة .

يقول الدكتور اليوناني ك.ووتيراكيس:" إنَّ الشَّخص الذي لا يؤمن بالله كما ينبغي مهما كان جنسه ونسبه, هو أكبر سمًّا من الأفعى, وأكثر وحشية من الحيوانات المفترسة, وهو فوق ذلك لو حصل على الدُّنيا كلَّها لا تشبع غريزته النَّهِمَة , وحرصه على جمع الأموال, ويبقى أسير الأوهام والأحلام حتَّى قد يدَّعي الإلوهية متعقِّبا طريق البلهاء المتفلسفين الضَّالين, ولا يُحجم عن القيام بأيِّ عمل ضارٍّ ضدَّ بني جنسه" . فهل تستقرُّ وتستمرُّ حضارة أفرادها من مثل هذا الصِّنف من البشر؟؟؟

أما الصِّنف الأخر من النّاس وهو الصّنف الذي يؤمن يقينا بوجود خالق عظيم خلق الكون, وهو يحكمه, ويكلؤه, ويراقب مخلوقاته, وسيعيد النّاس إليه , ويحاسبهم على أعمالهم, ثمّ يثيبهم عليها بالنّعيم المقيم إن أحسنوا العمل, أو يعاقبهم بعذاب الجحيم إن أساؤوا وطغوا وظلموا, فهم أيضا يسعون وراء المصلحة, لكنّها عندهم ذات مفهوم إيماني ينبع من إيمانهم بالله واليوم الأخر, وشعارهم هو( الغاية الشّريفة بالوسيلة الشّريفة ) فهم يرون المصالح المادية العاجلة هامشية تافهة بالمقارنة مع ما يؤمنون به ويعملون لنيله في الآخرة, فالمصالح المادية الدّنيوية ناقصة زائلة, و الأخروية خالدة كاملة , لذلك فهم يكدحون ويجتهدون لإرضاء الله عز وجل وكسب الأجر, كي يفوزوا بالخلود في الجنّة حيث تتحقّق المصلحة التّامة بتحقّيق السّعادة الأبدية, وهم يبتعدون عن الظّلم والفساد وكل أفعال الشّر والسّوء حياء من الله و تجنُّبا لغضبه عزّ وجل , وخوفا من الوقوع في الشّقاء الخالد الذي هو عذاب جهنم, أعاذنا الله منها. فتجد المؤمن متواضعا, رحيما, متعاونا, مهما كانت مكانته وغناه وسلطته, ولا يطغى بالكبر لأنه يؤمن أن الله اكبر. وتجده عزيزا, قنوعا ,عفيفا, شريفا , مهما عانى من الفقر أو الظُّلم أو الضُّعف, لانَّ الأمر بيد الله والعاقبة للمتقين.

وتجده أمينا, صادقا, وفيًّا, عفوًّا, متسامحا , لأنّه يؤمن أنّه مأمور بذلك و مأجور عليه من الله عز وجل, وتجده مضحِّيًا من أجل الوطن والأمّة والدّين والأهل بنفسه وماله, لأنّه بذلك يمارس تجارة رابحة , الرّبح فيها هو رضا الله والجنّة ,

كما تجده كريما, رحيما , سخيًّا, بل يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة , لأنَّه يؤمن أنَّ الأجر مضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة في بنك ربه.

قال تعالى : ".... وَيؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ " (9 الحشر )

وهو يكرم والديه , ويخدمهما , ويتذلَّل لهما , مهما عانى بسبب ذلك, مستجيبا لقوله عز وجل:" وَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمَا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرَا"24الاسراء

وهو يتقن عمله, استجابة لأمر الله ورسوله بأداء الأمانة وإتقان العمل وعدم الغشّ

قال عز وجل : " إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُوا الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرَا (58 النساء

وفي السُّنَّة المطهرة: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِل َأَحَدُكُمْ عَمَلا أَن يُتْقِنَهُ" "مَنْ غَشَّنَا فَلَيسَ مِنَّا"

وهكذا يكسبه إيمانه الضّمير الخلقي, والرّقابة الذّاتية , المنبثقة عن الشّعور بالرّقابة الإلهية , التي لا تُسْتَغْفَلُ ولا يُحتال عليها, ولا يبطلها محاباة ولا رشوة ولا جاه اوسلطة , فالمؤمن يشعر أنّ الله معه يراقبه , ويعلم سرّه وجهره , مما يجعله يعمل على أن تكون أقواله وأفعاله وحتّى خواطره , خيِّرة لا مضرَّة فيها للنّفس أو النّاس أو حتّى الحيوان والنّبات والمحيط , وتلكم هي الأخلاق والحكمة التي جاء بها الأنبياء من عند الله عز وجل , وهي الآن محصورة في الدّين الصّحيح الذي لم يحرف, وهو الإسلام الذي يقول نبيه محمد صلى الله عليه وسلم :"إِنَّمَا بُعِثْتُ لأتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ" والذي من دونه لا تقوم حضارة راشدة ولا يسعد بشر.

قد يقول قائل:ها نحن مسلمون مؤمنون, ولكن أخلاقنا متدنية , وأوضاعنا مزرية , والكفّار رغم كفرهم أكثر قوّة وتماسكا منّا , فأين ما تَدَّعي ؟؟؟

والحقيقة أنّنا مسلمون بالاسم والوراثة والرّقعة الجغرافية فحسب, أمّا الإيمان الحيّ الحقيقي الذي يحي القلوب ويشحنها بالخير والحقّ والفضيلة فنسبة أهله فينا قليلة جدا, لو بلغت الواحد في الألف لتحسّنت أحوال الأمّة .

لقد تضعضعت عقيدتنا بفعل هزائمنا المترسِّبة عبر التّاريخ , وبفعل الغزو الثّقافي المسلّط علينا منذ سقوط الخلافة الإسلامية ووقوع أمّتنا في مخالب الاستدمار المسيحي اليهودي , فأصابنا الانفصام الحضاري والوهن في الدّين . فالكثير منا يدَّعي الإيمان وما هو بمؤمن, أو لا يعلم حتّى مفهوم الإيمان . قال تعالى : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَّقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِاليومِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَالذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ* فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ* وَ إذا قِيلَ لَهُم ْلا َتُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * ألاَ إنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لا َيَشْعُرُونَ " (البقرة 9-12 )

وقال سبحانه : " وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ " ( يوسف 106)

مشركون لأنّهم عبدوا أهواءهم ونزواتهم بمعصية الله وتجاوز حدوده وشريعته في سبيل تحقيقها

قال الشاعر :

ذَهَب َالتَّعَقُّلُ فَالعَقِيدَةُ هَشَّةٌ ... وَإِذَا الغَرَائِزُ فِي الأَنَامِ تَحَكَّمُ

إننّا في الغالب َندَّعي الإيمان في الباطن ونتّبع سلوك الكفّار في الظّاهر , لقد تخلّينا عن قيمنا الرّوحية ولم نحسن حتّى التّأقلم مع القيم المادّية , فصُنَّاعنا وعمّالنا مثلا , لا هم يتقنون صناعتهم وأعمالهم خوفا من الله وطلبا لرضاه , ولا هم يتقنونها بدافع المنافسة والمحافظة على سمعة المصنوع طلبا للمادّة مثل الصُنَّاع الكفّار, فكان التَّفوُّق للكافر بالقيمة المادية , إنّنا عندما نلتزم بقيمنا الدّينية الرّوحية , من إيمان صادق, وعمل بأحكام الإسلام وأخلاقه , فإنّنا بالضّرورة نحسن القيم المادّية , فنتفوّق على الأمم الكافرة كما فعلت الأجيال السّابقة من المسلمين الصّادقين, الذين استطاعوا التّفوّق في سنوات قليلة على إمبراطوريتين عريقتين "الفرس والرّوم" بالقليل من العدد والعدة والإمكانيات, لكن مع الإيمان الصّادق, والعمل الصّالح, والخلق الفاضل, وصدق الإخبات لربِّ العالمين. إنّ المؤمن الحقيقي هو الوقَّاف عند حدود الله , المبادر الى طاعة الله ورسوله قال تعالى " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا َمُؤْمِنَةٍ إِذاَ قَضَى اللهُ وَرَسُولَهُ أَمْرًا أَن يَّكُونَ لَهُمْ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَّعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينَا" ( الأحزاب 36) . وقال سبحانه : " إِنَّمَا كَانَ قَوْلُ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إلى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَْينَهُمْ أَن يَّقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِك َهُمُ المُفْلِحُونَ وَمَن يُّطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقِهِ فَأُولَئِك َهُمُ الفَائِزُونَ " ( النور 51-52 ) أولئك الذين يُمَكِّنُ الله لهم ويعزُّهم في

الدّنيا والآخرة قال عز وجل : " وَعَدَ اللهُ الذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيئَا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ " ( النور 55 ) . 5

ذلك لانّ طاعة الله ورسوله تتمثّل في الالتزام بالأخلاق في كلّ المجالات : الاقتصادية , الاجتماعية , الأسرية , السّياسية , التّربوية ..... وذلك وحده هو سبيل الرّقي والتّقدم والقوّة في الأمم ..يقول الشّاعر

إنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاَقُ مَا بَقِيَتْ ...  فَانْ هُمُو ذَهَبَتْ أَخْلاَقُهُمْ ذَهَبُوا

وها هو الواقع يثبت هذه الحقيقة التي أكّدها ديننا ونبّه عليها علماؤنا وأدباؤنا , هاهي الأزمات الأخلاقية تعصف بالنّظام الرّأسمالي الكافر وتنذر بانهياره كما انهار النّظام الشّيوعي الملحد من قبل , فالكفر ملَّة واحدة , ونتيجته واحدة , ولو تعدّدت صوره وتباينت دركاته , إن علماء الاقتصاد في الغرب يعزون الأزمة المالية التي أحاقت بالنّظام المصرفي الرّأسمالي في المدّة الأخيرة الى الرّذائل الاقتصادية المتجذّرة فيه , كالجشع والطمع والغرر والاحتيال والاستغلال والربا والاحتكار .... وقد أعلن ذلك بوضوح رئيس الولايات المتّحدة الأمريكة , ومن الخبراء الأوربيين من دعا صراحة الى اعتماد النّظام المالي الإسلامي المبني على الأخلاق للخروج من الأزمة.

فأين تكمن مصلحتنا الحضارية إذن؟ في الالتزام بديننا وقيمنا الرّوحية؟ أم في التّقليد الأعمى المخزي للمادّية الغربية التي يغلب عليها الطّابع اليهودي المادي الجشع واللا أخلاقي؟

أما آن الأوان لنعتبر ونتَّعظ ونعرف لموروثنا الحضاري قيمته في البناء الحضاري فنلزمه ونعمل به لِنَسْعَدَ وَنُسْعِدَ الأممَ الأخرى بتخليصها من مساوئ الأنظمة الكافرة الضَّالَّة والمُضِلَّة للإنسان؟

(انّه من يطلب الآخرة صادقا توهب له الدّنيا نافلة ).( ولن يصلح آخر هذه الأمّة إلا بما صلح به أوّلها) والله هوالهادي الى الحق 

وسوم: العدد 856