لا يمكن اتخاذ التعدد الثقافي في المغرب ذريعة للنيل من هويته الإسلامية بطريقة ملتوية

تتجدد مع مطلع كل سنة ميلادية مطالبة البعض بإعلان مطلع ما يسمى بالسنة الأمازيغية عطلة رسمية على غرار العطل الدينية والوطنية . ومعلوم أن وراء هذا المطلب ما وراءه مما لا يصرح به ،ويلمّح إليه تلميحا .

والغالب على التقويمين التاريخيين اللذين يعتمدهما المغرب بلد الإسلام منذ الفتح الإسلامي المبارك  الصبغة الدينية ، فالتقويم الهجري  له علاقة بهجرة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ، والتقويم الميلادي له علاقة بميلاد المسيح عليه السلام . وإذا ما طالب البعض عندنا بتقويم ثالث لا يخلو أن يكون  وراء ذلك قصد ونية  يدلان على  الاعتقاد بوجود حدث ما  قد وقع في الماضي ، وكان على جانب من الأهمية  من قبيل ميلاد نبي من الأنبياء أو هجرته ، واقتضى ذلك أن يكون بداية تأريخ وتقويم .

ولا ندري لحد الساعة ما نوع الحدث الذي وقع في الماضي واقتضى ذلك أن يوجد تقويم  تاريخي أمازيغي  في المغرب إلى جانب التقويمين الهجري  والميلادي؟

ومعلوم أن الهوية الإسلامية عبارة عن بوتقة تنصهر فيها كل أنواع الثقافات دون أن تلغي أو تقصي هذه الهوية التنوع الثقافي لأن طبيعة  هذه الهوية أنها تجمع ولا تفرق ، وتقرب بين مختلف الثقافات . والتاريخ والواقع يشهدان على ذلك حيث تتنوع ثقافات الأمم المسلمة دون أن يمنع تنوعها الثقافي  من الانضواء تحت هوية واحدة شعارها كلمة التوحيد " لا إله إلا الله محمد رسول الله " .

ومعلوم أن التنوع الثقافي خاصية بشرية أقرتها الرسالة الخاتمة إذ يقول الله تعالى : (( يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) فالمعتبر حسب هذا النص القرآني هو الهوية الإسلامية التي دلت عليها لفظة "أتقاكم " ، بينما دلت لفظتا "شعوب وقبائل "على التنوع الثقافي ، كما دلت لفظة "لتعارفوا "  على التواصل بين الثقافات ، وقد

 ذهب بعض المفسرين إلى أن الأمر قد يتجاوز مجرد التعارف إلى المعروف وهو الخير .

ومعلوم أنه لا اعتراض للهوية الإسلامية على التنوع الثقافي داخل الحيز الجغرافي الواحد الذي يدين أهله بدين الإسلام ما لم  يكن في هذا التنوع ما يستهدفها وهي الجامعة التي تجمع ولا تفرق .

ولما كان لا فضل لجنس على آخر في دين الإسلام كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بتقوى الله عز وجل ، فلا فضل لثقافة على أخرى إلا بقدر ما تدعو إلى تقوى الله عز وجل ، ولهذا لا يمكن أن تزايد ثقافة على غيرها داخل حيز جغرافي تسوده الهوية الإسلامية .

ومن تنكب الحقيقة والصواب  بل من الافتراء أن يظن البعض أن الثقافة العربية في شمال إفريقيا عموما والمغرب خصوصا يرفع قدرها فوق قدر الثقافات الأخرى خصوصا الثقافة  الأمازيغية. ولا بد هنا من التمييز بين الهوية الإسلامية وبين الثقافة العربية ، ذلك أن الهوية الإسلامية لا ترتكز على جنس أو عرق أو لسان أو عادة أو تقليد ... بل أساسها التوحيد ، وهو شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي شهادة تجمع بين كل الأجناس وكل الأعراق وكل الألسنة ، دون أن تتخذ أحد هذه ذريعة للرفع من شأن بعضها والحط من شأن الأخرى . فلا يمكن أن يتخذ اللسان العربي الذي أنزل به الله عز وجل الرسالة الخاتمة للناس جميعا ذريعة للرفع من قدر الجنس العربي على غيره من الأجناس لأن هذه الأخيرة في دين الله عز وجل  لا اعتبار لها ، وإنما يحصل التفاضل بينها بتقوى الله عز وجل ، وبمقتضى ذلك تفضل بلال الحبشي ، وصهيب الرومي ، وسلمان الفارسي على أبي لهب العربي وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فترضى الله عز وجل عليهم في محكم التنزيل وذم أبا لهب الذي لم تغن عنه عروبته ولا قرابته  من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا.

ولهذا لا يجب أن يثار أصلا موضوع التفاضل بين الأعراق والأجناس والألسنة والثقافات داخل كل حيز جغرافي هويته إسلامية، لأنه لا داعي إلى ذلك والمعتبر هو تقوى الله عز وجل .

 ولا مبرر للتعبير عن تظلم البعض عندنا مما يسمونه هيمنة الثقافة العربية على الثقافة الأمازيغية أو نفيها أو الاستنقاص من شأنها ، وهو تظلم باطل لا أساس له من الصحة ، والتاريخ والواقع يشهدان على ذلك إذ لم يطمس الإسلام الثقافة الأمازيغية في شمال إفريقيا عموما والمغرب خصوصا حيث ظل الجنس الأمازيغي يحافظ على ثقافته منذ الفتح الإسلامي المبارك إلى يومنا هذا، فما حرم الإسلام استعمال اللسان الأمازيغي ، ولا حرم شكلا من أشكال التعبير عن الثقافة الأمازيغية إلا ما كانت له حمولة شركية تنقض الهوية الإسلامية ، وهذا شأنه مع مختلف الثقافات في كل بلاد الإسلام  شرقا وغربا إذ لا زالت الثقافات كما كانت قبل الإسلام لم يمنع أو يحرم منها إلا ما عارض الهوية الإسلامية .

ولا مبرر لاعتماد ما يسمى التأريخ أو التقويم الأمازيغي  في المغرب مع وجود تأريخي  أو هجري  له صلة بالهوية الإسلامية ، وتأريخ  أو تقويم ميلادي كل العالم على اختلاف  دياناته وعقائده يعتمده وإن كانت له صلة بمولد المسيح عليه السلام ، وليس كل من يعتمده يدين بالمسيحية . فإذا كان التقويم أو التأريخ  الأمازيغي فيه ما يشير أو يدل على الحنين إلى الوثنية التي وضع الإسلام حدا لها كما وضع حدا لكل الوثنيات في بلاده ، فإن دعوة الدعاة إلى اعتماده مردودة عليهم ،ولا يمكن أن يقبلها المغاربة  المسلمون جميعا عربهم وأمازيغهم .

ولن يضير الهوية الإسلامية في المغرب أن تمارس الأنشطة الصادرة عن التنوع الثقافي ما لم تتخذ ذريعة للنيل منها سواء بتلميح أو بتصريح . فإن أراد الأمازيغ الاحتفال  بما يسمى  ليلة " الناير " وهي ليلة الاحتفال بنهاية موسم الحرث والتي تتناول خلالها بعض الفواكه الجافة، فلا يمنع الإسلام شيئا من ذلك لأن قاعدته المعتمدة  والمشهورة هي : " الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما حرم الله عز  وجل"  ، وما حرمه سبحانه معلوم بالكتاب والسنة .  وليس الأمازيغ وحدهم من يحيون عادة أكل الفاكهة الجافة بعد موسم الحرث  بل يشاركهم في ذلك العرب أيضا لكن دون خلفية عقدية ضالة .

و لا يجب أن ينسى المتذرعون بذائع واهية تستهدف الهوية الإسلامية من خلال ركوب التنوع الثقافي أن الإسلام قد عاهد أهل الكتاب يهود ونصارى ، ولم يعاهد كفارا ولا مشركين ولا مرتدين . ومن أراد أن يرتد بعد إسلامه أو يرتكب المعاصي في إسلامه غير مجاهر بذلك، فلا رقيب عليه إلا الله عز وجل ، ولكن لا تقبل منه مجاهرة بذلك بأي شكل من الأشكال ، ولا حق له في المطالبة  جهارا بحرية الكفر أو الشرك أو الردة كما  يطالب أهل الذمة  بحرية الاعتقاد الخاص بهم  وحرية ممارسة طقوسهم التعبدية .

وأخيرا نختم بالقول إن الهوية الإسلامية خط  أحمر لا يسمح لأحد بتجاوزه مهما كانت ذريعته ، ولا ذريعة للنيل منها سواء كان ذلك تلميحا أو تصريحا .  

وسوم: العدد 859