شيخ الإسلام

تنوعت أركان الدولة العثمانية وتعددت وتطورت مع مرور الوقت، ولكن بعض الأركان ظلت أصيلة وأساسية داخل كيان الدولة العثمانية، حيث تأسست تزامنًا مع تأسيس الدولة العثمانية وحافظت على بقائها حتى انهيار الدولة العثمانية، وتُعد مؤسسة شيخ الإسلام إحدى هذه المؤسسات أو الأركان.

ليست هناك معلومات تاريخية أكيدة حول تاريخ ظهور منصب شيخ الإسلام داخل أركان الدولة العثمانية، ولكن تروي وثائق تاريخية أن "الملا فيناري" هو أول من تولى مقام شيخ الإسلام في عصر مراد الثاني "1421 ـ 1451".

منصب شيخ الإسلام كان يُعد المؤسسة الدينية والقانونية العليا داخل الدولة العثمانية، وتقابله "المحكمة الدستورية العليا" في وقتنا الحاضر.

وتعني كلمة "شيخ" حسب الاصطلاح اللغوي العربي "الرجل الكبير"، "الحكيم"، "الرئيس"، وكان الشخص الذي يتولى هذا المقام يمتاز بالحكمة والسن الكبير ويُصبح رئيس المقام بعد توليه المنصب، لذا اختير له اسم "شيخ الإسلام".

كان يتم اختيار شيخ الإسلام من بين القضاة ذوي الخدمة الطويلة في الجهاز القضائي التابع للدولة العثمانية، حيث كانوا يلتحقون طلابًا في المؤسسة العلمية، وكان يتم اختيارهم من خلال تزكية معلميهم لهم، وكان يجب أن يكون شيخ الإسلام قد خدم كقاضي للحي ومن ثم للولاية كي يتم تعيينه كقاضٍ عسكري لولاية إسطنبول، وكان قضاة إسطنبول العسكريون يتولون مقام شيخ الإسلام عقب وفاة الشخص الذي كان يشغل مقام شيخ الإسلام قبل وفاته.

ولكن في عهد السلطان محمود الثاني "1808 ـ 1839" لم تعد الخدمة كقاضٍ عسكري شرطًا لاختيار شيخ الإسلام، وكان يمكن أن يتم اختيار القضاة الذي يعملون في المجالات الأخرى.

منذ تأسيس مقام شيخ الإسلام وحتى السلطان سليمان القانوني "1520 ـ 1566" كان شيخ الإسلام يظل في منصبه حتى وفاته، ولكن عندما قام السلطان سليمان القانوني بعزل شيخ الإسلام "جوي زادا محمد أفندي"، تحولت سلطة تعيينه وعزله بيد السلطان.

وكان يرتدي شيخ الإسلام رداء أبيض اللون وفوقه سترة سوداء مع عمامة بيضاء، وتنقل الوثائق التاريخية أن اختيار اللون الأبيض كان للتعبير عن حكمة وحصافة وصبر وتريث وصفاء الشخص، أما اللون الأسود فيحوي على لمحة تعبر عن حيادية الشخص، وهذا ما كان يرمي إليه شيوخ الإسلام.

وكانت تحرص الدولة العثمانية على جعل رواتب شيوخ الإسلام من أعلى رواتب موظفي الدولة للحفاظ على أمانتهم وإخلاصهم للنصب الذي يشغلونه. وتذكر الوثائق التاريخية أن شيخ الإسلام كان يتقاضى يوميًا 600 أقجا عثمانية، وإذا قُدر بأن كل 12 أكجا تساوي سعر خروف جيد، يتضح المستوى العالي للراتب الذي كان يتقاضاه شيوخ الإسلام.

عمل شيوخ الإسلام حتى عهد السلطان محمود الثاني "1808 ـ 1839" في بيوتهم، لعدم توفر دائرة حكومية خاصة بهم، ولكن السلطان محمود الثاني عمل في حزيران/ يونيو 1826 على تخصيص مقام خاص لشيخ الإسلام، مع ثلة من الموظفين التابعين له، وأصبح شيوخ الإسلام بعد ذلك يصدرون فتاويهم الخاصة بالدولة والعامة من خلال تلقي مساعدة من الموظفين الموجودين إلى جانبهم، وبذلك تحول العمل من فردي إلى مؤسسي، وأصبح هناك سرعة أكبر وإنجاز أكثر في عمل شيخ الإسلام.

بعد بدء عصر الاصلاحات العثمانية المدنية عام 1839، تطور منصب شيخ الإسلام وتحول إلى وزارة كبيرة تقوم بعدد من المهام، حيث أصبح شيخ الإسلام مع موظفيه مسؤولون عن تعيين القضاة في كافة ربوع الدولة العثمانية، والتدقيق بكافة الأحكام التي تصدر من القضاة ويعترض عليها المواطنون، والانضمام إلى مجلس الوكلاء التابع إلى الصدر الأعظم "رئيس الوزراء" ومتابعة أعماله وإبداء الاعتراض على الأحكام التي تصدر وتتعارض مع أحكام وأعراف الدين الإسلامي.

استمر منصب شيخ الإسلام في متابعة أعماله الموكلة إليه حتى

انهيار الدولة العثمانية عام 1923.

وسوم: العدد 859