ظلّ السلطة وسلطة الظلّ

clip_image001_742d8.jpg 

تشكّلت، لم تتشكّل، سوف تتشكّل، لن تتشكّل. اليوم، لا غداً، غداً لا أمس. لا أحد يشكّل الحكومة اللبنانية والكلّ يشكّلها، اللا أحد تعني الجميع والجميع يساوي لا أحد.

المستشار يريد توزير مستشاره، ومعلّم المستشار يراوغ ويناور. الاختصاصي ذَنَب، والذَنَب مستشار، ومستشار المستشار هو الوزير العتيد.

مسرحية عبثية اسمها خدعة تشكيل حكومة اختصاصيين في لبنان. لقد نجح «البروفيسور» حسّان دياب في بلورة مفهوم جديد للاختصاصي. الشهادة الجامعية لا تكفي، فالاختصاصي الحقيقي هو التابع لسياسي احترف النهب والسمسرة وبيع الأوطان.

كي تكون اختصاصياً عليك أن تكون مُبدعاً في التذلل والتمسكن أمام سيدك وسيد سيدك. فالاختصاصي الديابي، (نسبة إلى حسّان دياب)، لا استقلالية له، فهو مجرد ظّل لسيد هو الآخر ظلّ لسيد أكبر منه.

نحن أمام مسرحية خيال ظل تسودها العتمة. بصيص النور الوحيد نراه أمام شاشة يتلاعب فيها الضوء بحيث يتم تكبير الظلال أو تصغيرها حسب الحاجة، لكن مشكلة هذه المسرحية هو أن محرّك الظلال فيها مرتبك ولا يعرف ماذا يريد، فتختلط الظلال وتنحجب الرؤية.

في العادة يكون محرّك الدمى خفياً، وإلا فقدت اللعبة سحرها. محرّك هذا المسرح البائس مكشوف ومعروف، لكنه غير قادر على حسم سيطرته، أو هو ضائع أمام عجزه عن تأليف نص مسرحي متماسك ومُقنِع، أو هو أيضاً ظلّ لمحرّك آخر.

المحرّك جزء من الانهيار بل هو أحد أسبابه، فكيف يستطيع أن يكتب مسرحية الخروج من الانهيار؟

من هم هؤلاء الذين يتصدّون لمهمة تأليف حكومة لا تتألف الا مكشوفة ولا حول لها؟ ومن هم حملة الشهادات هؤلاء الذين يرتضون لأنفسهم مهانة أن يحملوا لقب «المعالي» وقد أُعطي لهم من سياسيين فقدوا هيبتهم ويُشتمون كل يوم في الشارع ويُطردون من الأماكن العامة؟

ألا يعلم اللاهثون خلف لقب أصحاب المعالي أن ما ينتظرهم هو المخازي، إلا إذا صار الخزي والنهب واللصوصية هي مقياس التعالي لا المعالي.

الثلاثي الحاكم: التيار العوني وحزب الله وأمل، ومعهم بقايا النظام الأمني السوري- اللبناني يلعبون في العتمة، يركّبون حكومتهم ويفرطونها ثم يعيدون تركيبها كخدعة للرأي العام وللانتفاضة، لكنهم كشفوا الخدعة بأنفسهم. حاول «البروفيسور» أن يشرح لهم أن حقيقة خدعة التكنوقراط يجب ألا تُكشف، لكن «كراماتهم» وتعاليهم وعجرفتهم لم تسمح لهم بالبقاء في الظلّ كي يُحركوا الدمى حسب تعليمات المخرج الآتي من الجامعة الأمريكية.

إنهم دمى، فكيف لا يظهرون على مسرح الدمى والظلال؟

كشفوا اللعبة قبل الأوان، وبدأت المحاصصات والثلث المعطل، وإلى آخره…

ورغم انكشاف كل شيء فهم لا يزالون يتذاكون ويكذبون.

لاحظوا معي الفرق بين عتمتهم ووضوح شابات وشبان الانتفاضة وبهائهم.

في ليلة المصارف في الحمرا أعلنت الانتفاضة وضوحها، ردت على العدوان والسرقة بما يليق بهؤلاء اللصوص القابعين في عتمة النهب. فاضطروا إلى الخروج من أوكارهم ليتناسوا خلافاتهم، معلنين أن فريقي السلطة المتنازعين هم حماة نظام النهب المصرفي، بل هم المصارف والصرّافون وسارقو أموال صغار المودعين، من برّي إلى الحريري وصولاً إلى جنبلاط وإلى الدروس الأخلاقية من العونيين وبعض خواجات ما يسمى بالمجتمع المدني.

وبلغ وضوح الانتفاضة ذروته في ليلة القمع والسحل أمام ثكنة الحلو. لا تستطيع وأنت تُعاين المشهد إلا أن تتماهى مع شبان وصبايا كانوا تجسيداً للشجاعة والنُبل والمقاومة والصمود.

هؤلاء الشابات والشبان حوّلوا ليل كورنيش المزرعة وساحات النجمة ورياض الصلح والشهداء إلى وهج يسطع بالبطولة. ففي مواجهة سُعار القوى الأمنية التي اختبأت خلف ضباب قنابل الغاز كي تنفلت الغرائز الوحشية ويلعلع الرصاص المطاطي، صمد الشابات والشبان وحولوا عتمة بيروت إلى نور.

ليلة المصارف وليلتا ثكنة الحلو وساحة النجمة لم تكن عنفاً بل كانت احتجاجاً، العنف مارسته السلطة وأجهزتها الأمنية. يا لبؤس وزيرة الداخلية، المصرفية ريّا الحسن، وهي تتبرأ من العنف وتتمسكن وتدعونا إلى الرأفة بمن لم يرأف بالناس.

هذا ليس عنفاً أيتها السيدات والسادة، فللعنف وقته، وهو لن يكون عملاً فردياً أو عمل مجموعات شبابية، فالعنف إذا أتى سيكون ثورة شعبية تصنعها الطبقات العاملة والفقيرة التي أوصلها النظام الأوليغارشي المتوحش إلى قعر الفقر والبطالة.

مشكلة نظام الدمى اللبنانية أنه لا يزال يعمل بأدوات فقدت صلاحيتها. الزعيق الطائفي والبحث عن حصص للمذاهب ليست سوى تمويه لتناتش المصرفيين والسياسيين اللصوص فتات السلطة. وهي لا تعني شيئاً للناس الذين يرون كل يوم كيف يتناهب أفراد هذه الطبقة الحاكمة ما تبقى.

لم يبقَ شيء، فعلى ماذا يتعاركون ويختلفون؟

أما انتظار معجزة المساعدات الخارجية فقد صار سراباً، إذ لم يعد الخارج راغباً في ضخّ المساعدات والقروض لمافيات اللصوص. الخارج لم يعد قادراً على إنقاذ اقتصاد تهاوى ونُهب. أما الخطابات الأيديولوجية عن مقاومة إسرائيل، فصارت تثير الضحك.

إسرائيل تفعل في فلسطين ما تشاء، وأنتم لا تُحسنون سوى الكلام الفارغ، وتتنازعون على تقاسم سلطة الانهيار.

لبنان في عتمة مسرح الظل البائسة يقلّد أنظمة الاستبداد العربية، ولكن بعد فوات الأوان.

لقد فات الأوان بكم وبلُغتكم وبزمنكم.

«بروفيسور» الحكومة مثابر على الإيحاء بأن لعبة خيال الظل مستمرة، مهمته الوحيدة هي أن يُطفئ الضوء، ويأخذنا إلى مسرح أشباح قصيرة تتطاول.

أما الحكومة فتشكّلت وكأنها لم تتشكّل، ولم تتألف وكأنها تألفت.

وسوم: العدد 860