مبالغات الساسة العرب: كوميديا سوداء لا تضحك أحداً!

تتحول التناقضات، على ألسنة الساسة والعسكر في بلداننا العربية، إلى أمر يتجاوز الطرافة والحملات الشعبوية والمبالغات التلفزيونية إلى مستوى من التهريج الفاقع والكوميديا السوداء، حيث تمتزج أشكال الاستتباع المذلّ لقوى خارجية، والخنوع لإسرائيل أو تجاهل غطرستها وسخريتها البالغة منهم، مع أنواع الاحتقار للأرض التي ينتمون إليها، والبشر الذين يدعون تمثيلهم، والمنصب الذي يزعمون حصولهم عليه.

من الأخبار المتدفقة خلال الأيام الماضية يمكننا التقاط عيّنات عن هذه التناقضات والمفارقات والمبالغات الفاقعة، كما حصل حين استفاق البرلمان السوري مؤخراً ليؤكد على حصول إبادة الأرمن في تركيا خلال أحداث الحرب العالمية الأولى، وهو أمر مقصود منه طبعاً «مكايدة» الحكومة التركيّة الحاليّة التي تحاول وقف عمليات النظام الحربية ضد شعبه، والتي أدت في الفترة الأخيرة وحدها إلى هروب قرابة مليون سوري هرباً من «الجيش العربي السوري» الذي يزعم أنه يريد أن يحرّرهم من الإرهاب، ناهيك عن تجاهل البرلمان نفسه أفعال الإبادة الجماعية للسوريين أنفسهم، والتي لم تتوقف منذ 9 سنوات، وكذلك تجاهل الهجمات الإسرائيلية التي لم تتوقف على النظام وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للسخرية من هذه الحكومة قائلاً إن من يقصف منشآتها هو «الجيش البلجيكي».

يذكر تنديد البرلمان السوري بـ«إبادة الأرمن» وتجاهل إبادة شعبه، ما فعله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل فترة حين طالب قادة العالم بالاستماع لشبابهم ومشاركتهم أفكارهم وإعطائهم الفرصة للتعبير وكذلك جعلهم «سباقين لا تابعين» واعطائهم «مفاتيح القيادة»، كما لو أن السيسي ليس «الدكتاتور المفضل لترامب»، وليس الجنرال الذي استلم الحكم بانقلاب عسكري، وليس هو من زج - في السجون -  بكل من تجرأوا على التفكير بالترشح ضده في انتخابات الرئاسة، والذي تقيد حكومته حرية التعبير وتحاكم المدنيين عسكرياً وترتكب انتهاكات صارخة لحقوق الانسان والإخفاء القسري للمعتقلين  [ووفاة الكثيرين تحت التعذيب أو الإهمال الطبي .إلخ !.]

ويذكر السيسي أيضاً بنظيره عبد الفتاح البرهان الذي اتخذ قراره بمقابلة بنيامين نتنياهو بناء على «استخارة»، فجعل قراراً يكسر الإجماع الوطني والقومي ويغيّر تاريخ السودان مسألة شخصيّة تقوم على اجتهاد نفسيّ ذاتيّ، كما يذكر بالجنرال خليفة حفتر الذي صدع رؤوس العالم بالحديث عن «المرتزقة» الذين استجلبوا لقتاله، ونسي أن صفحة إنجازاته الشخصية تقوم على الارتزاق، وأنه هو نفسه «اختراع» عدة دول إقليمية قامت بتوظيفه وتأمين تمويله وتسليحه ومدّه بمرتزقة «فاغنر» الروس، وسودانيين ظنوا أنهم سيعملون في الإمارات فتم شحنهم إلى ليبيا، ناهيك عن بقية الجنسيات الأخرى.

وهكذا يتذكر أكبر نظام إبادة عربي بـ»إبادة الأرمن»، ويتفاصح دكتاتور مصر بالحديث عن حرية التعبير وتمكين الشباب، ولا يخجل جنرال الارتزاق الليبي عن الحديث عن المرتزقة، ولا يعلم الجمهور إن كان عليه أن يضحك على هؤلاء أم يبكي على أحوال العرب؟ذكرى الوحدة في زمن الفتن والغزو والفوضى الموجهة!!

وسوم: العدد 866